أنتِ قمر… سبحان الذي خلق تلك العيون، والخدود، والشفاه، وهذه القامة… سبحان الذي خلقك فليحرسك من عيون الحسّاد… كم أنتِ جميلة يا ابنتي”.
تكبر الفتيات في كل أنحاء العالم على تلك العبارات تتردّد على مسمعها كل يوم، خاصة من والدتها، الى أن تسمع للمرة الأولى وتفهم ما يعني المثل الشعبي القائل “القرد في عين امّه غزال”.
غير أنها وفي اللحظة عينها تستثني نفسها منه. نعم! هذا المثل لا ينطبق عليها. فهي جميلة بحقّ. فتبدأ هي بترداد تلك العبارات على مسمعها، وغالبًا أمام المرآة.
“نعم، أنا جميلة.
قد لا أكون أجمل إمراة في العالم، ولكني جميلة. لا يمكن أن يخطئ كل أفراد عائلتي وأصدقائي وزملائي وشباب الحيّ… أنا جميلة”.
كل النساء جميلات. كل الفتيات جميلات. نعم ولكن … الى حين.
أنا جميلة بنظر عائلتي. أمي. وأبي. حتى أعارض رأيهم. وأتمرّد على قراراتهم. وأكسر تحكّمهم بمصيري، فأصبح جميلة الى حين.
أنا جميلة في اللقاء الأوّل. وفي الموعد الأوّل. وفي الموعد الثاني. حتى أبدأ بطرح أسئلة تحيّرني عن الحبيب، فأصبح جميلة الى حين.
أنا جميلة بين أصدقائي. وفي جلساتنا وسهراتنا ولقاءاتنا حتى أتعارض معهم في رأيّ أو وجهة نظر، فأصبح جميلة الى حين.
أنا جميلة في مركزي المهنيّ. وعلاقات العمل. وجهدي والتزامي بالمؤسسة التي أعمل معها. حتى أطالب بحقوقي، فاصبح جميلة الى حين.
أنا جميلة بين إخوتي. ومعارفي. ومحيطي. وموظفي شركتي. حتى يعاكسني الحظّ وأخسر نقودي، فأصبح جميلة الى حين.
أنا جميلة في اللقاء الأوّل مع حبيب آخر. وفي الموعد الأوّل. والقبلة الأولى. والقبلة الثانية. حتى يلتقي بأخرى، فأصبح جميلة الى حين.
أنا جميلة في الإنتخابات. وعند صناديق الإقتراع. وبعدما أخرج من وراء الستار. حتى أسقط الورقة في الصندوق، فأصبح جميلة الى حين.
أنا جميلة في الزواج. وعند حملي الأوّل. وانجابي الأوّل. وحملي الثاني. حتى يتآكلني التعب ويترهّل جسمي، فأصبح جميلة الى حين.
أنا جميلة بين أولادي. وعائلتي الصغيرة. وبين أحفادي. حتى يأسرني المرض ويحتلّ جسمي وعقلي، فأصبح جميلة الى حين.
أنا جميلة في كل مكان وكل زمان الى أن …
فاصبح جميلة الى حين.
لم تخبرني أمّي بكل ذلك. والأرجح أنها لم تتجرأ وإعتقدتْ أنها تحميني عندما قرّرت إخباري نصف الحقيقة وابتلعتْ النصف الآخر.
كدت أفعل الأمر نفسه مع إبنتي، وحتى وقت قصير أظنّ اني كنت أرتكب الخطأ نفسه، الى أن أتتني إبنتي في يوم، والحزن في عينيها الخضراوتين يسبقها، قائلة :”أمّي، كيف أبقى جميلة مدى الحياة؟”.
Leave a Reply