من حق أي وسيلة إعلامية أن تستغل نجمها لصالحها، وأن تعمل من أجل أن تقدمه بأفضل ما يكون كسباً لشعبيته، ولموهبته، ولتقديم رسائل خاصة وعامة من خلاله، فكيف إذا كان هذا النجم ممن يمتلك موهبة جميلة، وذات الأبعاد التي تخوله أن يقتحم القلب، ويسكن جدلية الحضور دون إستئذان، ويترك مساحة من النجاح والتواصل مع المشاهد دون أي إدعاء، ومن دون أن تبذل المحطة أي جهود كي تلمع صورته، ومن دون أن تبذل الجهود التسويقية الواجب عملها، ومع إنها لو فعلت لنجحت، واستفادت من تسويق نجمها، وهذا النجم هو المصري العربي هشام عبد الحميد، وهذا البرنامج إسمه ” أكيد مع هشام عبد الحميد” وهذه المحطة إسمها ” الشرق”!
يكاد هشام النجم الوحيد الذي حقق نجاحاً واسعاً من أبناء جيله منذ اشتراكه في الفن المصري، وذكر المنتجين والناس بالنجوم الكبار، واعتبر الامتداد الفعلي لتجربة القدير الحاضر رشدي أباظة، وبالفعل وبسرعة دارت دوائر إثبات الموهبة في تقمص شخصيات درامية ما بين المسرح والتلفزيون والسينما ليخطف جذور الانتشار بثقة، وشهرة يحسب لصاحبها الف حساب، وتصب في صالح إنبات ما هو يذكرنا بالزمن الجميل الذي نتحدث عنه في امسياتنا، ونطالب به كلما اشرنا لنجاحات الماضي، وإذ به أي هشام المتمكن من خلال موهبة فرضت الثقل والتميز والإشارة إليها والإشادة بها ضمن لعبة الاستمرارية المطلوبة، وليس من باب الصناعة والسلام، بل من باب الحضور المختلف والمطلوب، وإذ به يحقق النجاح! وفجأة حدث أن الأقاويل كثرت، والشكوك من هنا وهناك خيمت على صاحب الموهبة المقتدرة، وأصبح إرهابياً بخمس نجوم، وكعادة بلادنا تدخل بالتدوين الخانق، والتخوين السهل، وفبركات مشاريع سياسية مخيفة، وهذا يسبب في بلادنا وبشكل مستمر انفصالاً في التواصل بين الوطن والهجرة والفن والمواطن! لا دخل لنا بسياسة العقوبات التي لحقت بالفنان والكاتب والإعلامي وموهبته داخل وطنه، وما تعرض له من اتهامات وانقسامات معه أو ضده، وكل ما نستطيع أن نشير إليه، ونتلمسه من خلال ما قدمه عبر الشاشة الصغيرة جراء تقديم برنامجه الخاص والمختلف، والمشغول بحنكة الفنان القلق والمسؤول، برنامجه ” أكيد مع هشام عبد الحميد” وجدنا أنه لا يقتحم السياسة بل يطرح صور لحالات فنية بعمق الفاهم، ولا يتطاول على مصر واناسها بل هو حارس حقيقي للعشق المزروع بكل جوارحه للمحروسة مصر، ومن لا يعشق مصر، وكيف إذا كان هذا العاشق إبنها؟!
لم يتعمد هشام ومن خلال مشاهدتي لكثير من حلقات برنامجه، لم يتعمد سياسة التجريح بقدر ما هو يقدم صورة مشرقة عن شخصيات فنية مرت في تواريخها، وطبعت في تاريخها. هو يتعمد أن يقدم هذه الباقات بإسلوب حضاري وجاد ومتزن ومرن لا يخدم إلا مصر! كما لم اتلمس أي قلة مسؤولية بحق وطنه بقدر نبشه للذاكرة، واقتحام الماضي بقالب جاذب، أي حتى الآن لا مشاريع سياسية تخيم على ما يقدمه وما يصلنا، أما إذا كان لديه وجهات نظر فكرية فهذا حق لكل إنسان ما دام لا يتطاول ولا يدعوا إلى إلغاء الآخر، وكلنا يدرك حساسية الفنان، وأحلامه بأن يجد بلاده وأمته بأفضل الأحوال!
تابعت برنامجه عبر فضائية ” الشرق” تطفلاً لكثرة ما يدور من ثرثرات غريبة عجيبة حول هشام، واحتراماً للإختلاف، ولإكتشاف الصورة، وهذا حقي بالنقد وبالمتابعة دون أي تخطيط للخبثنة بل للوضوح، وكانت النتيجة حتى الأن أنني أمام المذيع النجم، والذي يتعامل مع الكاميرا بحنكة، رغم أن الأدوات التي يصنع بها برنامجه فقيرة، وربما كاميرا واحدة تسبح من حوله بأخطاء الملتقط، ولكن كاريزما، وذكاء المقدم، وعمله المضني يبعد المشاهد عن أخطاء بصرية ترتكب، والواجب أن لا تقع !
النوعية
البرنامج عبارة عن مجلة ثقافية فنية منوعة، وصاحبها المطرز لها من خلال التقديم، والإعداد وربما الإخراج لديه شغف التاريخ الذي يحيكه بخيوط من فن بلاده، وحكايات الصنعة عالمياً وعربياً في لعبة الفن السابع، وأبو الفنون المسرح، والمقتحم التلفزيون، ونجوم الإعلام والأدب والفكر.
هذه النوعية من البرامج مضنية، وتتطلب جهداً من صاحبها يوصله إلى الإرهاق، ولا يعرف الغوص فيها إلا من يمتلك موهبة مختلفة ومقتدرة في التحدي، وهذا واضحاً عند هشام الفنان والمقدم والنجم حتى لو اختلفت معه، وبالفعل تختلف معه بكثير من الأمور إلا بموهبته المشرقة !
البرنامج يتطلب فريقاً ليس في الإعداد فقط، بل فريقاً فنياً يدرك أهمية هذه النوعية من البرامج التي تقتحم منازلنا، وتترك الأثر عند المشاهد الذي يحب خبريات النجوم، وأساليب عملهم، وكواليس فنونهم، والإضاءة على الماضي بإسلوب السهل الممتنع، وهنا الصعوبة!
الإعداد يجتهد بحيث تعداد الفقرات من كل العالم، وبقدرة تنويعية غنية وواضحة، وحضور المقدم النجم بثقة العارف بما يعمل، ولماذا هو يدخل منازلنا بشخصية المذيع خارج كلاسيكية المهنة التقليدية التي اعتدناها! هشام هنا يجتهد، يحاول أن لا يتصنع، يرمي التمثيل من خلفه، ويحتفظ بما تعلمه من المسرح كي يؤكد موهبة التقديم، وهذا ذكاء منه، لذلك بعفوية يخاطبنا، يقدم المعلومة بذكاء وتبسيط، ولا يتفلسف، ومن خلال ما شاهدناه نستطيع ان نتقبل منه أي بوح وأي فقرة حتى لو لم تشبهنا، والجميل انه ينتقل بنا وبرشاقة من فقرة إلى آخرى مختلفة كلياً!
الحاجة
يحتاج البرنامج إلى متابعة إخراجية في عملية المونتاج، هنالك الكثير من أخطاء مكشوفة بالامكان تجاوزها قبل العرض، ولا يجوز أن تحضر بهذه السذاجة، ومن قبلها مطلوب معرفة بالتقاط الصورة للنجم المقدم، وإدراك أن التعامل مع المذيع النجم والفنان يختلف كلياً عن المذيع العادي، المذيع النجم له بريقه، وزوايا تسبقه عند الناس، وهذا يتطلب المزيد من المسؤولية في تصويره وتقديمه!
من الواضح الفريق الفني يرتجل البرنامج وإلا ما معنى انزعاجنا من عدم مهنية المكياج ومصفف الشعر، والإضاءة المسطحة المزعجة، والزوايا العبيطة التي تضر الصورة المشهدية، والاتكال والاكتفاء هنا على نجومية الفنان هشام في التقديم، وثقافته، وسرعة بديهيته، وسلاسة تقديم المعلومة والفقرات المتنوعة لا يكفي لإيصال البرنامج، واستمرارية نجاحه!
والغريب، وفي كل مرة نشاهد البرنامج مباشرة عبر السوشال ميديا نصدم بالانقطاع الدائم للبث كما لو كنا خارج لعبة العصر…هذا الانقطاع غير مبرر، ويسبب الملل وهجرة المتابعة، وهذا ما حدث معنا في الحلقة الآخيرة بالرغم من الفقرات المهمة والثرية من رثاء الكبير عزت العلايلي، ومن ثم تعريف عن فنان المونولوج المصري أحمد غانم” الفقرة طويلة لا لزوم لتطويلها”، و” بوزيتيف نيجاتيف” من خلال عرض فقرة فرنسية غاية بالأهمية لضرب التلميذ الطفل من قبل المعلم إلى حين اكتشاف الحقيقة، وتقديمه شخصية عمر الشريف عبر حوار حساس ونادر بعد نجوميته الهوليودية العالمية، وخطورة الدوبلير في الفن، وربورتاج حساس عن كاتب هذه السطور كتحية للنقد والأدب والإعلام من إعداد وتعليق الزميلة ايمان الساحلي، وأخيراً فقرة ” تحيا الديمقراطية” وما يقدمه الفنان من عطاءات وخدمات للناس.
للأسف ما من فقرة استطعنا أن نتواصل معها كلياً، بل وقعنا بشرك انقطاع البث كما لو كان مقصوداً! برنامج يحتوي قيمة في تقديم المعلومة ضمن قالب منوعات مهم وجذاب يتطلب من إدارة المحطة أن لا تستخف به، وهذا على الأقل ما وصلنا من خلال التنفيذ، بل تسارع بإعادة صياغة جادة ومتطورة في التنفيذ حتى لا تطير الجهود مع دخان السجائر، ونخسر فكرة لم يعد الإعلام العربي يتمكن من تقديمها، ونخسر حالة جديدة في التقديم والسرد والعرض من فنان نجم إسمه هشام عبد الحميد !
Leave a Reply