هو روميو لحود ونقطة على السطر…هو روميو لحود متعدد المواهب في الفن… وهذا يكفي… هو 6 بشخص فكر فعل روميو أو أكثر… هو من صناع الجمال في شكل المسرح العربي، في السينوغرافيا المسرحية المكملة للكتلة للمربع لجمال العين… هو المثقف ابن الضيعة، وابن البيئة العائلة السياسية التي تمرد عليها، وقرر أن يقدم مغامراته في الفن، فكان هو الفن بكل القلق، والشغف، والحلم الذي لا يعرف الأفول…
ذهب ليدرس الهندسة في فرنسا، شاهد المسرح، ليخطفه هذا المربع إلى إختصاص فن الديكور، ومن ثم جال ايطاليا والعالم من أجل معشوقه المسرح…
درسه، وعاد إلى لبنان شاباً يافعاً مثقلاً بالعلم والحلم ليصنع مسرحه عالمه حياته…صحيح في آخر حوار معه أخبرني أنه يعيش الندم بتركه الهندسة ودخوله بالفن، ولكنه يفتخر بما قدمه، لا بل يعتز… عفواً … نحن نعتز بوجود فنان من طراز رفيع في لبنان والوطن العربي إسمه روميو لحود… انطلق من خلال مهرجانات بعلبك ولجنة المهرجان حيث تعرف على الاسطورة صباح، كانت في مجدها، وكان يانعاً حالماً، وتم اللقاء، وكرت مسبحة الأعمال والتميز والتألق حيث جالا العالم الغربي معاً، وقد يكون مسرح اولمبيا الباريسي في حينه افخم الأحلام على عكس اليوم، هو مجرد مسرح لا قيمة فيه وعليه!
واستمر في العطاء مع اكتشافه الجديد اللؤلؤة سلوى القطريب…وتحقق النجاح إلى حين غفلة الوطن، وسقوط الحلم بحروب الهمج تحت لواء حب الوطن!
قدم روميو لحود عطر شبابه الإبداعي في فن لبناني مسؤول، ولكن الوطن لم يقدم له غير الجحود، وذاك الوسام، ولقاءات متلفزة، وحكايات وخبريات، أما الاهتمام والمساندة، والمساعدة حتى يبقى مسرحه وفنه متوهجاً، والأهتمام بشيخوخته فتلك من المحرمات في لبنان!
روميو لحود هو عطر الفن اللبناني بكل فصوله، لا يشبه غيره، ومن يقلده يقع فوراً، ويسقط دون نهوض، بل نستطيع جميعاً أن نتعلم منه ومن فنه وما قدمه!
روميو لحود الكاتب، المؤلف، السيناريست، الشاعر، الملحن، المخرج، مصمم الديكور، يشارك في تصميم الازياء، يغير في حركة الدبكة والرقص، منفذ الاضاءة، وحتى انه يكنس صالة المسرح…هذا هو، وهو كل هذا، وهذا قليل من روميو لحود… روميو هو الواضح، المبتسم، الضاحك من قلبه، والمهذب البعيد عن المجاملات، والصديق…أه يا صديقي، يا من كنت الملجأ كلما أردت أن أعرف معلومة…أه يا صديقي، كيف ستشرق شمس الوطن من دون محياك، كلامك، وأحلامك؟ أه يا صديقي العفيف، الذي لا يجرح إن انفعل، ولا يرمي الحقد ضد من خان وجرح، وكان في الفن جاحداً…
أه يا روميو صديق الجميع، صديق الجيل الشبابي الذي أمنت به، وكنت تقول لي في كل لقاء:” هذا الجيل اللبناني سيتفوق علينا في الفن وفي حب الوطن…هذا الشباب يتصل به، ولم تعد الطائفية تعنيه…هذا الشباب يحب المسرح، وأمل المسرح.”!
روميو قيمة فنية لا تعرف غير العطاء، وصاحبها الصارم الحازم في الفن لا يعرف التنازل، وقد حقق بعض من أحلامه، والبقية في أدراج بيته، كُتبت احلامه المتبقية بحبر عرقه تعبه، وكانت تنتظر الشمس…لم يجلس يراقب، بل في كل لحظة يكتب، يفكر، يحاول أن يبقى مع روميو الفنان المختلف… هو كاتم الأسرار التي يرفض البوح بها احتراماً للخبز والملح، هو تاريخ من المعرفة النظيفة كمسرحه الكلاس والمعتمد بالدرجة الأولى على الجمال، وهو الناطق بما يعرف، ويعرف الكثير، ولكنه لا يستفز، ولا يجادل، ولا يمارس عقد الاستذة على أحد… كم كانت الجلسات مع روميو غنية في لحظات تسجيل بصمات الوطن… كم شربنا من ينابيع روميو دون أن يسقينا الإساءة بحق غيره… كم ضحكنا مع روميو وهو يتحدث عن الماضي ويصافحه بنكته عن حاله… كم…وكم…برحيلك خسرنا واحات تؤمن بها، وقصراً يحمينا كي نتجلى منه وبه، أو غيمة تعطينا من عباءة روميو التي ننتظرها كي تمطر لتروي أرضنا الجافة، أو نحلق بالنجوم لنعد نجمات فنون روميو لحود الإبداعية…
في أخر اتصال من حوالي شهر كان سمعه متعباً…ضحك، وأردف قائلاً بعد أن ألمح إلى أن برنامجي في تلفزيون لبنان أهم ما يعرض في لبنان، وشجع على الاستمرارية مع إعطاء فكرة احتفظ بها، قال:” يا جهاد قربت النهاية…خلاص ما عاد في شي محرز…رايح عند الحبايب…”… “ما تقول هيك…الله يخليك بيننا أيقونة نعود إليها كلما ضاقت مساحتنا في هذا الوطن”…هذا كان ردي، وختم كلامه بابتسامة تشبه التعب…
خبر غياب روميو لحود ليس خبراً عادياً، وليس عابراً…بل هو خبر الصفعة، الوقفة إلى جانب الصدمة على من تبقى في لبنان، الخسارة لكون روميو من أخر أخر عناقيد التميز، وقد يكون أخر الذكور النبيلة في الفن اللبناني…
روميو في رحيله خسرنا قامة مهمة فكراً وفناً وعملاً ونطقاً وحضوراً…خسرنا خيمة نهرول إليها، ونحتمي تحتها لحظات الشدة، وما أكثرها في بلد أراده روميو أرزة من الجمال المختلف، فأرادوه زعاماته شجرة شيطانية للقتال والهدم والفساد… روميو لحود صديقي الجسر العابر إلى العقل والقلب، انت المعطاء الذي صرف كل ثرواته على الفن في لبنان، وحصد اعجاب الشعوب اللبنانية به دوم الوقوف إلى جانبه، في رحيلك مرحلة من ذهب انطوت لبنانياً من الصعب تعويضها، ومن المستحيل أن تتكرر مع هذا الجنون…وفي رحيلك خسرنا الاخلاق في الفن، والتواضع في الثداقة، والعنفوان في الوطن!
عفواً …منك نقدم الاعتذار يا استاذ روميو، لم نتمكن من تقديم غير الكلام لا في حياتك ولا لحظة رحيلك…
عفواً…تأكد لي انك أتيت في زمن يشبهك، ولكن في بلد خطأ… اليوم لا تجدني مجاملاً، وليست من عادتي، ولكنني كنت اعلم بشكواك، وبحزنك كما فرحك كلما التقينا…كم الجلسات معك ممتعة وغنية وثرية، وكم برحيلك خسرنا الكثير…
في رحيل الأستاذ روميو لحود…قطعة من لبنان هوت عن عرش الابداع، ورحلت حاملة مواهب عدة، وتميز لا يشبه غير أرز الوطن…
Leave a Reply