الحزين الذي أهمله الوطن، فزاد إيماناً بصناعة وطنه في عالمه، وجنونه، وكبرياء لا يعرفه إلا الأصيل في الإنسانية…
الخبير في صناعة البسمة…
المتواضع رغم ما حققه من نجاحات…إنه سامي خياط، صديقي وحبيبي وعائلة ذهبية ومصدر ابتسامتي، ومن صنع المقالب بي عبر الهاتف، ومن كان طفلاً لم يعرف المشيب يوماً، ولم يصرح بأوجاع الامه، مرضه، حزنه، جحودهم لحظة…
سامي خياط … حارب المرض العضال، سقط شعره، تحداه، نال ورم في شكله، تخطاه، شعر بعجز جسده فقرر أن ينزل الميدان، قرر أن يصارع المرض بالفن، فقدم اخر خطوات الفن في خطواته في عودة مسرحه الذي لا يشبه أي مسرح عربي وغربي، في مسرحية الوداع، وإعلان الرحيل ( !? WALSW ) وَلوْ؟! ، وجال فيها أوجاعنا، وأصر أن تكون لبنانية ضد الجميع من زعامات وإعلام في لبنان !
أذكر أكثر من سنة اتواصل معه كي يكون ضيفي عبر شاشة تلفزيون لبنان، رفض بسبب ما أصاب الجسد والشكل، وعد بعد إلحاح أن يطل في حال استعاد شعر رأسه، وحدد الموعد، وقبل اشغال الكاميرا أصيب بوعكة صحية، تخطاها من أجلنا، حضر بكل عفويته، طفولته، تاريخه، ونجاحاته، وتواضعه، فكان أصغرنا، أهضمنا، والكبير حيث ذاكرته حاضرة ومن ذهب!
وحينما إنتهينا زرع ابتساماته وحبه للزملاء الغوالي إندريه جدع وليلى اسطفان، تفهما في حينه تحديه للحظة صارخة، اعطوه مساحة كي يبوح ويبدع، ويستحق البوح، كانا في تلك السهرة أبناء وتلامذة نخباء!
حينما إنتهينا، همس على مسمعي:” أنا جئتك مريضاً، وفي الحلقة شفيت، ونسيت مرضي، وغابت أوجاعي عن جسدي…شكراً لك يا صديقي”!
وعاد، واتصل، وبادر بالشكر، وقرر أن ينزل ميدان المسرح والإعلام من جديد، وكان سيد الميدان، لم يهدأ، ولم يشعر كل من حضر يومياً بأنه مصاب، وهو المناضل والمقاوم كي يستمر في الحياة!
سامي خياط، متعدد المواهب، صاحب ألف كار، ونجح بكل الكل منها، هو إبن المسرح، ينظفه، ويكنس همومه، وينام فيه، ويعالج جسده على خشبته، يُلحن، يُخرج، ويكتب، يقف مستقبلاً الزوار، يجلس في شباك التذاكر ليبيع بطاقات مسرحه، ويؤلف وينفذ الديكور، يخترع قطع للمسرح، يصمم الأزياء، يغني، يهتم بكل كبيرة وصغيرة، يهتم بمن يشاركه العمل، ومع كل هذا يصر أن يضحكنا، ويزرع فينا الأمل، والمحبة، والوطن…لذلك النقاد والجمهور أطلقوا عليه ” مسرح سامي خياط”، وأنا أقول ” سامي خياط رجل في مسرح، ومسرح متعدد المواهب والمدارس في سامي خياط”!
كم هو متواضع، وكم هو لطيف، وكم هو سريع البديهة، وكم هو حاضر دائماً، وكم هو صاحب مقالب محبة في تغيير صوته، وكم هو إنسان قدم كل ما لديه من شبابه وأسرته وماله من أجل مسرح أمن به، وعشقه حتى الطفر والموت!
وكم كان مبادراً، ويقطع أجزاء منه ومن عمره، ومن جسده ليستر الحضور بعباءة الضحك النظيف…
سامي خياط هو الفنان المختلف، وهو الفنان الحق، والحقيقي، وكل ما فيه هو فنان…
سامي الذي تحدى الحرب اللبنانية بكل فصولها حمل كل الوطن، وجال به في كل المناطق اللبنانية، ومع ذلك لم يُكرم، وبعد الحلقة التي كان بطلها عبر تلفزيون لبنان تنبه بعضهم إلى قامة وقيمة سامي خياط ولم يكرموه، بل كرم من قبل دولة فرنسا ورحل…
رحيل سامي خياط قد أراحه من الأوجاع، فالموت الجسدي رحمه، وأيضاً أن يعيش في لبنان حيث الجحود هو الموت الأصعب، ولكن سامي الذي جعل من منزله أيقونة لعمله الفني كان قد صنع دولته مملكته إمارته، وكيانه، وعنفوانه خارج الحقد والجهل والعنصرية وإغتيال الوطن خارج جدران منزله، وقرر بهدوء الرحيل، ورحل ولم يكرم في بلده…
سامي خياط…نحبك، نريدك في تاريخ الكبار من وفي بلادي، ونأمل أن تُدرس تجربة سامي الفنان المجنون…
Leave a Reply