” أغمض عينيك”… عمل واحد يتيم ومنطقي وعائلي ومتزن خارج الجنس والقتل، والتعري الجسدي، والأزياء والإنتاج الضخم دون هدف، ويتطرق إلى قضايا اجتماعية واقعية هامة وحساسة صفع كل الدراما العربية لهذا الموسم، واستطاع أن يستقطب كل العائلة دون خوف أو قلق!
القصة واقعية بكل فصولها وموجودة وليست من خيال فضائي مترهل كما عودونا في دراما عربية تبحث عن وطن! وطرح العمل قضايا الطفل المريض بالتوحد، وكيفية التعامل معه، والانتقام والحب والطمع وواقع الفساد وقساوة الأب وصراع الأم مع عاطفتها كلها قضايا أغنت العمل، وبالتأكيد المعالجات الدرامية من قبل فريق العمل جاءت لصالح العمل.
جاء النص متزناً في تركيب الشخوص، والحوارات ثرية لا تعتمد الثرثرة، وجمل رشيقة وقصيرة خارج اللت الدرامي المعتاد، وكل مشهد يخدم المطروح من خارج الحشو المتبع في دراما العرب خاصة المصري منها، والأهم طرح خطوط درامية تدور حول القصة الأساسية وفي صلبها وليست هجينة من أجل 30 حلقة مهما كان!
النص رسم الشخصيات بعناية ودقة، وهذا سهل الإخراج الذي أدار الممثلين بحنكة، وساعد في تطور الحدث والبعد الدرامي اختيار أماكن التصوير الذي اعتمد على لوكيشنات معدودة وبسيطة دون بهرجة، والأجمل قدم حارات ومناطق الشام ببساطة اللقطات واستخدام الإضاءة والراكورات الداخلي والخارجي ببراعة وكانت صحيحة، إضافة إلى المكياج البسيط والمتزن مع طبيعة الشخوص والحدث، والأهم الأزياء الواقعية والمنسجمة مع منطق القصة، وهذا سهل عملية اقناع المشاهد بالشكل والمضمون وتمثيل الفنانين!
هذا المسلسل حقق المعادلات الذهبية في لعبة الدراما دون أن يتنازل أو يضخم الأمور، ولم يكترث لكذبة السوق فلم يقدم ما هو مقرر من أفكار مافيا عصابات المخدرات، ولم يستسهل مشاهد وتبريرات الدعارة النسائية بحجة السوق هيك بده، ولم يقدم أو يبالغ بمشاهد الجنس والإثارة، ولم يعتمد على الصراخ والعنف والقتل…جاء ببساطة من واقع معاش، والعنف فيه موجود وحتى الفساد والانتقام والزعرنات ودور الأهل بقساوتهم وحبهم، وقصص الغرام والتطاول على الوالدين…قصص موجودة بيننا لكنها قدمت بشطارة الطرح والمطروح وليس بتجارة ما هو يُصنع في الطرح والمطروح!
إن نجاح مسلسل ” أغمض عينيك” أكد أن ما يقدم هو الذي يشوه فكر الواقع الاجتماعي وليس الواقع هو الفكر، والمجتمع يتلقف ما يقدم له وليس العكس، ومن هنا جاءت صفعة ” أغمض عينيك” للجميع!
▪︎ الأداء
كل من شارك في ” أغمض عينيك” وصلت احداثياته بصدق إلينا، ولم نشعر بأن هذا الدور الصغير يعاني من ضعف، الكل سواسية في أداء رفع من قيمة العمل.
– أمل عرفة ” حياة” مقنعة لا تبلغ ولا تتعمد المكياج الصارخ لتخفي أثار الزمن والأزياء خارج التركيبة، حرة في أداء قيدها داخل الشخصية، وهذا يعني إنها أصبحت فيها وتعيشها، وليست النجمة، وممنهجة درست الشخصية حتى غدت هي، وجسدتها بأسلوب السهل الممتنع الممتع، والدور جداً حساس وأي مبالغات برد الفعل يضرها، لذلك كانت حياة واقعية في ردودها، واستطاعت أمل أن تجعل من أم جود من لحم ودم!
فعلاً أمل عرفة بما تمتلك من موهبة تؤهلها إلى أن تكون في الصفوف الأولى، وتستحق جائزة عن هذا العمل الدور.
– عبد المنعم عمايري ” مؤنس” في أنضج حالاته، وقدم تداعيات مراحل الشخصية بذكاء، وجاءت انفعالاته بمنطق ممنهج، وهذا يعود إلى عشق الشخصية ودراستها وفهمها، والأهم تبسيط الأداء دون مبالغات تراجيدية ليبرهن عن موهبته، هو لا يحتاج ذلك لكونه إضافة متوهجة لكل عمل.
– منى واصف” إم رجا” ذكاء الخبرة، وشطارة التجارب، وبراعة البساطة…قيمة على قيمة… وفايز قزق ” أبو رجا” خميرة الفن، ولعب دوره ببراعة، وجسد عصبية الشخصية بتفوق، وفعلاً هذا الفنان من انضج الفنانين العرب برسم تفوقه مهما كان الدور صغيراً أو كبيراً.
– أحمد الأحمد ” زوربا” وجوده إضافة جميلة في العمل، وأعطاه نكهة، ومنذ زمن لم يقدم هكذا أدوار بسيطة تعتمد على تقنيات الممثل الخبير، وهذه الشخصية صعبة وليست بسيطة كما تصل للمشاهد، صعوبتها بأن أي مبالغة في الأداء تفقدها حيويتها فتضيع ولا تصدق .
– حلا رجب” سلام” مقنعة وفي أجمل اطلالة، وجابر جوخدار” يامن” قدم الشخصية ببراعة وهدوء دون مبالغات.
– الطفل زين البيروتي” جود الصغير” كأنه النجم الخبير، موهبة واعدة وذكية، قريب إلى القلب والبصر قدم الشخصية المريضة بالتوحد ببراعة، والشاب ورد عجيب” جود الشاب” مميز، ومجتهد أكمل المهام باتقان ونجح جداً.
Leave a Reply