مَن منّا لا يذكر – طبعًا المخضرمين في العمر – ” شكري شكرالله “ذياك البخيل ” المهضوم ” صاحب الثياب المرقطة والمرّقعة التي تزيّنها ربطة عنق بلون فارق وفاقع ، ومحرمة في الجيب الأعلى للجاكيت وطربوشًا أحمر يدّلان على شيء من العزّ الذي كان سائدًا في حقبة زمنية غاربة، فإرتأه فخرًا وما زال يعيشه في عالمه الداخلي وعقليته المقفلة ، على الرغم من أن مجد هذا العزّ الفارغ قد أفل مع أفول السلطنة العثمانية،إضافة الى وضعه نظارات طبيّة من صنف العظم الرخيص ، قديمة ، ملصقة ونافرة على الوجه مع كرش بارز فوق ” بنطال ” يتمنطقه بخصر عالٍ و ” مروحة يد ” تآكلها الزمن، وخطّ على وريقاتها الصفراء بقايا عمر إنقضى.
مَن منّا لا يعرف” شكري شكرالله ” أحد أبرز أعضاء فرقة ” أبي سليم الطبل ” ( صلاح تيزاني ) الذي أجاد بدوره حقّ الإجادة وأصبح في البخل مضرب مثل على كل شفة ولسان.
ومَن منّا لا يضحك لنوادره وقصصه ” الجاحظية ” التي تأتي غالبًا عفو الخاطر وحسب سياق النص والأحداث التي ترافقه.
مَن منّا لا يحبّ الممثل الفنان والعملاق ” صلاح صبح ” الذي شغل الشاشة والوقت وأعطى الرونق والبسمة والعبرة في كل مواقفه، فكان بشكله و” كاراكتيره ” يُجسّد فئة كبيرة من الناس التي تؤمن بمقولة ” الجَمع والمَنع” ، فكان حريصًا على كل قرش يصرفه في مكانه أو في غير مكانه مخافة الإفلاس، والذي فعل به هذا الشيء هو الإفلاس بحدّ ذاته.
” صلاح صبح ” عملاق من بلادي ، أعطى الشاشة من أجمل ما أبدعته قريخته في الفن الجميل ، وذاع صيته في كافة الأجواء الشعبية والإرستقراطية على حدّ سواء، فأضحى غنيًا بمحبة الناس وكبيرًا في عيون الفن ورمزًا من رموزه، فكان النجم الذي يخطف مع رفاقه الضوء ويأسر القلوب ويخطف العقول، ويعيش مجدًا من الشهرة والتفوّق حتى تلازم إسمه مع رفعة الفن الكوميدي في لبنان والوطن العربي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ..
أين هو من الشاشات والمسلسلات والمسرحيات ؟
أين هو من النقابة والمخرجين وشركات الإنتاج؟
أين هو من التكريمات والعزومات والإفتتاخات والدعوة الى المناسبات؟
أين هو من إهتمام الوزارة والمعنيين والصحافة ؟
أليس هو مَن أعطى وطنه فنًا ، نظيفًا ، عفيفًا، هادفًا!
أليس هو مَن رافق وصحبه بدايات التليفزيون وضحّوا بمئات الساعات والعطاءات لإحيائه!
أليس هو مَن جسّد الكوميديا مع رفاقه وأعطاها زخمًا ، وكانوا مدرسة في هذا الفن الراقي!
لم أشاهد حفلًا قام بتكريمه، ولم أرَ شاشة قامت بإستضافته ، ولم أسمع بجائزة وُهبت له على إنجازاته.
أبهذا نفيه بعض حقّه.
” صلاح صبح ” أنت عملاق من بلادي، أنت ركن كبير من أركان الفن في زمن نفتقد فيه الى أمثالك، أنت مدرسة قائمة على الصحيح فاقت بصدقها وعطائها كبريات مدارس اليوم ، أنت نبع فنّي غزير يجرف بصفائه رواسب المتطفلين ، أنت نور مُشعّ يستنير به كل مَن سلك هذه الطريق.
Leave a Reply