وسط زحمة الأعمال العربية عامة واللبنانية خاصة ،في شهر رمضان الفضيل ، لابد من أن نفتخر لمَ وصل اليه مستوى الكتّاب اللبنانيين بشكل خاص.
ففي مقارنة بسيطة بين الدراما والسينما اللبنانية بالأمس واليوم يظهر جلياً تقدمها وإقترابها لواقع الشعب اللبناني خاصة من حيث مضمون القصة وتسلسل أحداثها ونمطها الفكري والفني .
في الأمس القريب (٢٠١٥) عرض على الشاشة الصغيرة مسلسل حمل اسم “ذات ليلة”، بغض النظر ما اذا كان مبني على كتاب نشر سابقاً الا ان الاعمال التي تعرض على الشاشة مختلفة جدًا عن التي تكتب في الروايات. قد تكون على الورق ملفتة تحمل العبر احيانًا غير انها وان عرضت في حوار وسيناريو ضعيفين تفقد رونقها.
كانت قصة هذا المسلسل تهدف فقط لاظهار القوى الامنية التي نكن لها كل احترام، بصورة مثالية لكن المعالجة كانت ضعيفة و الحوار مبالغ فيه حتى لو كلف الامر الخروج عن المنطق والاستخفاف بذكاء المشاهد. لا المطاردة كانت قريبة للواقع ولا سَوْق المجرم إلى التحقيق كان كما يحصل فعلًا. وهناك دائماً جريمة قتل ومشتبه فيه، ويصدف أنّ شقيق النقيب متورّط دائماً بتسلسل غير منطقي لكاتب لم يفلح الا بتقديم مسلسل يتيم للجمهور لم يكتب له النجاح في السينما.
هذا العام، طالت اقلام الانتقاد فيلم “شرعوا الحشيشة” تارة بسبب عنوانه الملفت وطورًا لانتقاده باختيار موضوع الحشيشة والمخدرات. لكن اثبت هذا العمل انه الاجرأ من حيث معالجة وجوه الفساد العديدة. تجرأ ان يقول ان كل المهن وكل المناصب فيها الجيد والسيء فيها الصالح والطالح، الوطني والفاسد حتى قوى الامن لينتصر الضابط المكافح لكل رزيلة تلوث شعبه.
نشهد فيه مطاردة غنية منطقية، حوار بسيط بعيد عن التكلف والتصنع. يوصل الرسالة الوطنية الراقية والرسالة الانسانية لكل الاعمار فيما يحكي لهجتهم دون ان يكون أدبي خيالي ولا يشوه رجالنا بأقنعة مضخمة…
دليل تحسن كبير ووعي عند المنتجين حيث تحسنت اختياراتهم للنصوص، كما تحسنت ادارة الانتاج منذ لـ ٢٠١٥ لليوم، خاصة اذا كانت تحكي عن رجال الدولة، ناهيكم ان هذا الموضوع صعب ان يجذب اللبنانيين في زمن اصبحوا فيه يفرحون بابطال من رجال المافيا.
في اللايت كوميدي عرض سابقًا مسلسل “تلاميذ آخر زمن” على نمط “الاستاذ والمعلمة” لكنه لم ينل نسبة مشاهدة ملحوظة. مشاهده الكوميدية سطحية، يمل المرء من الترفة الباهتة والاحداث التي لا تمت بعصرنا واجوائنا بأي صلة. وجوه محبوبة شاركت في هذا العمل لكن ذلك لم يكف ِ حتى يصرف اللبناني نظره عن المضمون ليركز على وجوه قديرة لها تاريخها المهني الحافل بالنجاحات.
واليوم في السباق الرمضاني مسلسل “إنتي مين” عمل كوميدي درامي ملفت في اطاره، نمطه سريع بعيد عن التكرار، صادم، مشوق والى جانب ذلك مضحك ! للسنة الخامسة على التوالي تثبت كاتبة العمل وجود نصوصها في الشهر الفضيل . قد يكون سرها انها تحاكي الناس بلهجتهم . لا تدعي انها ” فيلسوفة ” ولم تنشر حبرها على الورق بأحرف ميتة بل اعطتها الحياة والاحاسيس . هي ربما عين تراقب بدقة وتجسد ما تراه من حولها بأدق التفاصيل…
قد يكون “انتي مين” مازال في بداياته والحكم يأتي في الخاتمة وقد يكون فيلم “شرعوا الحشيشة” قصير لكن مفعوله كبير. وان دل ذلك على شيء فهو حتمًا يدل على ان مستوى الكتّاب والاعمال اللبنانية تنضج بأسلوبها ومضمونها…
تحية تقدير لمن صنعوا هذا التغيير ! فالمسلسلات و الافلام ليستا بيوت شعرية تقال بلا نفس انما حياة وحالات قريبة منا قد نتعلم منها وتعلم بنا.
Leave a Reply