“” نافذة تطلّ منها الإعلامية والكاتبة كلود صليبا مرّة في الأسبوع على القرّاء الكرام “”
………………………………………………………………………………………………………………….
منذ ما يقارب الأربع سنوات تبدّل وضعي الإجتماعي على بطاقة الهوية من متزوجة الى مطلقة.
أذكر تمامًا ذلك اليوم، كيف كنت أسابق الوقت لإنهاء أعمالٍ طارئة ،ولم تكن عملية مروري الى دائرة النفوس لإستلام بطاقتي سوى “مرقة طريق” قبل التوجه الى إجتماعاتي.
فكرة تبدّل صفتي الإجتماعية كانت طبيعية وضرورية ،ولكنها لم تكن بالأمر المهم بالنسبة لي، خاصة إنني إخترت ذلك وعلى يقين من صواب قراري.
دخلت مركز الدائرة وإنتظرت بضعة دقائق، وعند سماعي لإسمي توجّهت الى الموظفة. كانت تحمل بطاقتي في يدها. وكنت على عجلة من أمري ،ولكن.. توقف الزمن لبرهة حين رأيت تلك النظرة في عينيها. بصمت رهيب قالت مئة عبارة وسألت ألف سؤال. تحوّل بؤبؤ عينها الى مزيج من الحشرية والشفقة والتساؤل والأحكام المسبقة والإستنتاجات والتخيّلات. كتبت ورسمت وألّفت وصاغت وحبكت مئة قصة وقصة.
كانت تمعن النظر في وجهي وشكلي وملابسي محاولة إيجاد أجوبة لتساؤلاتها وحيرتها. كل ذلك دون ان تنطق بحرف واحد. فقط مدّت يدها لإعطائي البطاقة.
تناولتُ بطاقتي وقلت لها :”أنا لست شجرة”. ينظر المجتمع بشكل عام الى المرأة على أنها شجرة. بالرغم من أنه يسمّيها “وردة”. لتلطيف الإسم لا أكثر. ينتظر فعلًا من المرأة أن تكون شجرة، صلبة، تتحدى المصاعب، قوية في وجه العواصف، شامخة، جميلة، معطاء، متجدّدة، مثمرة، مفيدة، حاضنة… والأهم، دائماً في مكانها.
لا يا عزيزتي الموظفة. أنا لستُ شجرة. من قال لكِ ان الطلاق سيثبّتني في مكاني ويبقيني في الجماد؟.
كلا. أنا لستُ شجرة، أنا الإرادة، أنا الخيار، أنا القرار. في حالتي كان الطلاق… في حالة إمرأة أخرى قد يكون الطرد من العمل، أو العنف الأسري، أو خسارة الحبيب، أو الرسوب في الجامعة، أو خيانة الأصدقاء، أو استهزاء العائلة. أو… أو… مهما يكن السبب ومهما كانت الظروف، تذكري دوماً انكِ لستِ شجرة.. يمكنك التحرّك والتحرّر، لا تغرقي في الجماد.. لكِ الخيار والقرار، ولديكِ الارادة.
إختاري ما تشائين. ولكن أنت إختاري. تذكري دومًا أنكِ لست شجرة. أنتِ إمرأة. والإمرأة قوة.
كلما أمرّ من أمام الدائرة أفكر بكِ يا عزيزتي الموظفة وآمل من قلبي أن تكوني قد إكتشفتِ أنكِ أنتِ أيضًا لستِ بشجرة.
Leave a Reply