انطلق أنطوني سعيد في مسيرته وهو طالب هندسة معمارية بحيث يبلغ من العمر 24 عامًا، ليعيش في باريس معظم أيام العام مع شقيقيه. والده مهندسًا يعمل في العقارات (بناء وبيع الشقق …)، القطاع الذي توقف مع أزمة قروض الإسكان التي حدثت قبل فترة قليلة من الانهيار الاقتصادي. دفع هذا الحدث أنطوني لمغادرة لبنان في العام 2019 قبل أشهر قليلة من الثورة. ومنذ ذلك الحين واصل الدراسة في فرنسا بعيدًا عن بقية أفراد عائلته.
قبل عامين، وأثناء أزمة كوفيد ، أتيحت لأنطوني الفرصة لزيارة لبنان وكانت لديه فكرة تأسيس أول شركة تصنيع معجون أسنان في لبنان . جاءت هذه الفكرة نتيجة عاملين: التضخم الهائل الذي حدث في لبنان و شغفه بالتصنيع . وبسبب ارتفاع أسعار السلع المستوردة وانخفاض القوة الشرائية للسكان اللبنانيين، كان الناس يتحولون إلى البدائل المحلية، هنا بدأ دراسة الجدوى الاقتصادية الخاصة به . للأسف، لم يكن أحد على استعداد للاستثمار في بلد قطاعه المصرفي في حالة تدهور والناس يتهافتون لإرسال الأموال إلى الخارج، فما كان من أنطوني إلا أن يقترح المشروع على عائلته وأخبرهم أن هذا هو السبيل الوحيد لإعادتهم إلى لبنان لأن القطاع الصناعي هو عادة الأقوى والأكثر منافسة في البلدان ذات الأجور المنخفضة (على سبيل المثال: مصر وتركيا وأوروبا الشرقية…). حصل أنطوني بعدها على الضوء الأخضر لمواصلة دراسات المشروع والاستمرار في التجارب المخبرية الخارجية والاجتماعات.
في العام ٢٠٢١ ، بعد سنة من البحث و تطوير المنتجات، شكّل أنطوني بالفعل فريقًا من الخبراء من لبنان والخارج (نظرًا لأن المنتج لم يتم تصنيعه من قبل في لبنان).
بعد أكثر من ٢٠٠ تجربة مخبرية وأخذ عينات، نجح فريق العمل في صنع أول معجون أسنان تم إنتاجه بالكامل في لبنان ونجح أنطوني بإقناع المستثمرين (عائلته) بافتتاح المصنع.
ومع وصول الأموال إلى لبنان ، بدأ العمل على أربعة أمور مختلفة في وقت واحد، فالسباق لإطلاق أول منتج لمعجون الأسنان لم ينته، وكان آخرون يحاولون تصنيع نفس المنتج.
كان العنصر الأول في العمل هو المصنع نفسه، وكان يجب أن يكون نظيفًا وحديثًا ويحترم جميع اللوائح الدولية لمصنعٍ خاصٍ بالعناية بالفم. والثاني هو الآلات ومعدات المختبر وأنظمة التشغيل بالإضافة إلى الخدمات اللوجستية والتخزين. كان هذا الجزء هو الأصعب حيث اضطر أنطوني إلى الاتصال بالعديد من البلدان وشحن جزء كبير من الآلات والمعدات من الخارج .
الجزء الثالث كان بناء هوية العلامة التجارية التي تعكس روح المبادرة الشابة، والتي تعطي المنتج اللبناني مكانة دولياً بين المنافسين (كولجيت، سيجنال، كريست…).
أخيرًا، كان العنصر الرابع للعمل هو تأمين مصادر مكونات موثوقة ومعتمدة من الخارج لأنه يتم استيراد معظم المواد الخام من بلدان مختلفة (لأنه لا توجد صناعة محلية أخرى تشترك في نفس المكونات مثل معجون الأسنان).
هكذا ولدت Crystal White بمجرد أن تم انتاج الدفعة الأولى من معجون الأسنان، الى أن جاء سوء الحظ: كانت الحكومة تدعم السلع المستوردة حتى تلك التي لديها بديل محلي. دفع ذلك بأنطوني وشركته إلى تأجيل التوزيع لمدة عام كامل، وفي غضون ذلك، تمت صناعة مجموعة أكبر من المنتجات بمواد مبتكرة جديدة يمكنها التنافس مع معاجين الأسنان وغسولات الفم التجميلية والطبية القياسية (بدمج تقنيات مبتكرة جديدة وأكثر صحة).
اليوم وبعد عامين ونصف، تقوم الشركة بتوزيع منتجاتها من خلال أحد أكبر موزعي السلع الاستهلاكية في لبنان الذين آمنوا بها منذ البداية، لكنهم ما زالوا يكافحون البضائع المدعومة. وكان القرار أخيرًا بوضع جميع ميزانيتهم الإعلانية في المنتجات الأولية، حتى يتمكنوا من خفض سعرها والتنافس مع العلامات التجارية العالمية. لقد أتيحت لأنطوني شخصيًا فرصة العمل مع شركة عائلته في فرنسا وتجنب كل هذه المعاناة، لكن شغفه وتفانيه لإنجاح هذا المشروع قاده إلى هنا، فقد فضّل أحيانًا العمل طوال النهار والليل في هذا المشروع. كان من الصعب حقًا على أنطوني إدارة دراساته المعمارية وقيادة هذا المشروع الكبير ، حيث شكر عائلته وأصدقائه على دعمهم المستمر وتحفيزهم له. كل جهوده كانت لإعادته وإخواته إلى لبنان ومساعدة الاقتصاد اللبناني من خلال التصنيع المحلي.
اليوم، ومن خلال شراء منتج محلي لا يقتصر دور المستهلك فقط على دعم اقتصاد بلده والشعب اللبناني المجتهد، بل دعم كمية السيولة القليلة والمحدودة لدينا من التبخر وتعقيد الأزمة.
يأمل أنطوني أن يقوم اللبنانيون بتجربة منتجات شركته اللبنانية قبل شراء منتج مستورد لأن المواد المكوّنة لمنتجات Crystal White هي من مصادر طبيعية وتتلاءم مع المعايير الدولية كما أن أسعارها تنافسية بشكل كبير.
يختم أنطوني مؤمناً بنهضة لبنان الاقتصادية مؤكداً أنهم يقدمون أنواعاً عديدة من المنتجات وهم فخورون كونهم المصنّع الأول والوحيد للعناية بالفم في لبنان كما أنه خلق أكثر من ٦٥ فرصة عمل للشاب اللبناني ويأمل أن تصل كافة جهودهم في هذه المعركة قريباً الى نهاية سعيدة.
Leave a Reply