بالعادة لا اكترث لجوائز غالبية المهرجانات، وخاصة السينمائية والمسرحية إلا نادراً، وذلك لأسباب كثيرة منها التدخلات السياسية، والمصالح الشخصية والانتاجية والمالية وشراء الذمم، فقط اقف عند مشاهداتي، وقراءاتي النابعة عن تراكم خبرات نقدية لا اساوم عليها، من هنا ذهبت إلى التجربة السينمائية البكر “يوسف” للمخرج الشاب كاظم فياض، عن قصة واقعية حدثت كما قالوا في إشارة الفيلم مع إن الفكرة مستهلكة بأسلوب مختلف ومغايير، وقدمت مصرياً بطريقة غير مقنعة، وهوليودياً بتشويق مهم!
كتابة قصة فيلم ” يوسف” والسيناريو للمخرج وبمشاركة الممثل وبطل العمل حسين حيدر، والممثل علي منصور، ومن إنتاج «بلو هاوس فيلم» للزميل النشيط، والباحث الاستقصائي، والذي شارك بالفيلم من خلال طبيعة مهنته رضوان مرتضى، ومونتاج كاظم فيّاض وعلي فيّاض.
#المغامرة
الدخول في إنتاج اللعبة السينمائية في هذه الظروف العربية المعقدة اقتصادياً، والمتلاشية الصعبة لبنانياً مغامرة صعبة في ظل غياب جمهور الافلام عن الصالات، لذلك تحية احترام وتقدير إلى كل من ساهم في انتاج هذا الفيلم، وكل من شارك بتنفيذه من أجل صناعة سينمائية لبنانية مغايرة فيها الكثير من نقل حالة من حالات الواقع، مع اختلاف في طريقة الطرح، بحيث ليس بالضرورة أن ينقل العمل الإبداعي الواقع كما هو بكل قرفه وبشاعته ومفرداته البذيئة ومشاهده الوقحة…أن ننقل المشاهد ببساطة مع تصرف نقدم أمانة الواقعية بذكاء، وحينما نتمكن من التقاط التفاصيل الصغيرة نساهم في إنجاح إيصال الفكرة، شريطة أن نتمكن من الأدوات الفنية مثل الإخراج الصوت المكياج اللوكيشن الصح، والأخطر النص السيناريو المدروس وليس المركب تركيباً لجمل لا فائدة منها كما حال بعض مشاهد ” يوسف”!
المخرج كاظم أعرفه شغوفاً بفن الإخراج قبل الدراسة، تعجبني نظرته القلقة في حينه، واليوم هو في معركة البحث عن الهوية، وعن بصمة تميزه، أما الزميل رضوان فهو محارب شرس احترم جهوده ومغامراته، وما يجعلني أقف بقربه صداقة جمعتني مع شقيقه الشهيد…إذاً الذهاب ضرورة محبة واحترام، ولكن ما بعد المشاهدة لا تعنيني تلك الأمور! الفيلم روائي يغوص بلبنانيته خارج أفلامنا السابقة الهجينة لبنانياً، والقليل القليل منها يستحق لقب السينما والسينما اللبنانية، وقد يكون من أنضج الأفلام غير الانفصالية والانفصامية الناضجة في نقل واقعية حروبنا التعتيرية دون مبالغات فيلم “بيروت الغربية”.
كما أن الضوء على تجارة السلاح في الأحياء الشعبية تعتبر مغامرة، والأهم تقديم وجبة دون التلميح إلى عنصرية المناطق اللبنانية وشعوبها في البعد الطبقي والسياسي كلازمة لكل ما يقدم إعلامياً ودرامياً، وهنا وفق كاظم فياض في ” يوسف” بتقديم الحالة الشعبية دون التطرق إلى العنصرية والفوقية في المجتمع اللبناني المريض عقلياً بحجة الوطن لي!
#ملاحظات
ونظراً لكون التجربة أولى للمخرج، ومشاركة مجموعة شباب واعد ابتعد عن النقد الاكاديمي، واكتفي بملاحظات سريعة، ومنها: الصدمة الأولى في الفيلم الغباشة التي رافقته طوال العرض، يضاف إليه الألوان المزعجة حيث شعرنا أن الفيلم نفذ في الستينيات، وتلمسنا اختلافاً وتغييراً للكاميرا في النصف النهائي من الفيلم، وهذا خطأ كبير إذا كان قد حدث!
عدد كبير من المشاهد لا لزوم لها، ومركبة تركيباً لا تضيف أي أبعاد درامية، أما الاكثار من الكلام النابي والألفاظ القذرة للدلالة على الحي الشعبي لا لزوم لها، والاكتفاء بالقليل منها كان الأجدى…وحوالي 100 دقيقة مشاهدة كانت تختزل بـ 10 دقائق أو أكثر بقليل للفيلم!
كثرة الكلوزات على الممثلين لم تعمل على إيصال تعبيرات الممثلين، وغيبت الحركة المكملة لإيصال المشهد، أما مشاكل الكادرات فكانت كثيرة مرافقة إلى مشاكل فنية عديدة!
تكرار بعض المشاهد أكثر من مرة للدلالة عن الحالة النفسية المرضية ل يوسف لم تخدم الفيلم بل اضرته، واربكة المتابعة، وشتتتنا كمشاهدين!
#شباب
قدم الفيلم وجوه نعرفها، ووجوه نشاهدها لأول مرة، ومنها الكبيرة ختام اللحام لم تأخذ مساحة تستحقها، والملفت دائماً وسام صباغ قدم ما أمكن بمسؤولية، غاب عن مشاهده المكياج والاضاءة الصح!
وأما صاحب الشخصة المكررة حسن فرحات اسأل ألم يتعب من هذا النمط حيث أصبحت أدواره نمطية؟!
والشباب نذكرن ومنهم حسين حيدر وجه تحبه الكاميرا جداً، يؤدي بصدق، ينغمس في الشخصية لكن الصوت في بعض الحوارات لم يصل واضحاً. ومحمد فوعاني بطل العمل بجدارة، يؤدي ببساطة وبذكاء، وهنا كان الأكثر نضجاً من الجميع، ولو استغل لكانت النتيجة أفضل بالتأكيد ولصالح الفيلم! واياد نور الدين محبب بحضوره الكوميدي، هو حالة كاركتر يتطلب إدارة جيدة في أي يعمل يشارك به حتى لا يسقط كما حدث معه في مسلسل “ظل المطر”! هذا الفنان المهضوم لو أتيحت له فرصة مسرحية لتفوق كثيراً مع كثير من التدريبات التمثيلية، وفي ” يوسف ” قدم شخصية محببة جداً ولكن!
وعلي منصور وبعض الوجوه الشابة اعطوا بطبيعية محببة قربتهم إلى الناس والنص رغم مشاكل النص…بصراحة غالبية الشباب أدوا على طبيعتهم وببساطة دون تكلف، ولم نشعر بالتصنع رغم بعض الارباكات التعبيرية، وهذه سببها عدم صبر المخرج!
مرور محبب وناضج للفنان السوري فايز قزق الذي قدم مشهداً واحداً يحسب له خاصة المشهد الاول، والباقي تجسيداً لخبرته، وعبروا مشاهده القليلة الباقية دون أن نكترث!
رضوان مرتضى هو الأكثر اقناعاً بين الجميع لكونه أدى دوره الطبيعي، لم يمثل، لم يتصنع، لم يخلع ثوبه، ولم يستغل انتاجه لصالح مشاهده القليلة البعيدة عن الثرثرة…والأهم أن الكاميرا تحبه، ومتصالحة حتى مع تفاصيل وجهه الحادة!
مشاركة وجوه من الزميلة “الجديد” لم تكن مزعجة، واضافت ولم تضر خاصة السيدة داليا أحمد.
فيلم ” يوسف” بدأ رحلته التجارية في الصالات اللبنانية، وهو مغامرة انتاجية سينمائية في زمن القحط العربي، ووجوه شابة ملفتة تؤدي بطبيعيتها تجعلنا نسعد بها، ونص لفكرة ذكية بحوارات هجينة، ونتيجة فنية بأخطاء كثيرة يتحملها المخرج!
* يعود تاريخ إنتاجه للعام 2019- 2020-2021، حيث حصد العديد من الجوائز في منافسات سينمائية عالمية كان آخرها بلوغه التصفيات العشر النهائية في الدورة السادسة عشر من «مهرجان جنيف الدولي للأفلام الشرقية» من بين 500 فيلم.
Leave a Reply