“تتزوج المرأة كي تنجب. وتؤسس عائلة… وحين تنجب، عليها أن تضحّي… وتقدّس وقتها لعائلتها، لأولادها.فأولادها، يجب أن يكونوا محور حياتها وإهتماماتها… هم وزوجها… وإن لم تفعل ذلك، تتفكّك العائلة، ويفشل الزواج. هي المسؤولة عن نجاح العائلة أو عن فشلها…نعم. المسؤولية تقع على المرأة. والمرأة وحدها… ففي يدها كل شيء”.
تخيّلي معي، عزيزتي المرأة، إن شخصًا ما، يجلس مقابلك، ويردّد هذه العبارات، وبوتيرة بطيئة جدًا، على مسمعك. والهدف من ذلك.. هو “تعليمك”، و “تثقيفك”، و “تنويرك”.
والآن، تخيّلي معي أن هذا الشخص، إمرأة!.
بماذا تجيبين؟؟؟. وكيف تجيبين؟؟؟.
أنا، لم أجب.
كنت أستمع وأتشرّب كل كلمة تخرج من فمها. وبإنتباه شديد، كنت أنظر الى الستين سنة التي تجلس مقابلي، تنفث سيجارتها بين عبارة وأخرى، وتنفخ الدخان بعيدًا، في محاولةٍ لاخراج غصّةٍ من رئتيها. صوتها الخافت كان مدويّا في رأسي. صراخ معاناة إمرأة لأكثر من أربعين عامًا.
أمّا الصمت بين عباراتها فكان يعجّ بالكلام.
سمعته..
سمعته جيّداً. عيناها التي لم تنظر اليّ طيلة الحديث، كانتا تبحثان عن مهرب ما، وهي على يقين تامّ أنها لن تجده.
كنت أستمع الى إمراة تتفوّه بكلام هي نفسها غير مقتنعة به. ولكن… لا خيار آخر لها الآن، سوى تصديقه. هو كلام سَمِعته هي عن إمرأة اخرى. وتلك الامرأة الاخرى سَمِعته عن إمرأة قبلها حتى أصبحت هذه العبارات متوارثة عبر الأجيال، وكأنها كنز ثمين، تحرص النساء على تلقينه لبناتها وزوجات أبنائها.
الى أن أتيت أنا وكسرت تلك السلسلة، حين سمعت الصمت بين العبارات.
نعم… الأم تضحّي. وتدفع روحها ثمناً من أجل أولادها وسلامتهم. وهذا شيء لا يحتاج الى التعليم. أو التثقيف. أو التنوير.
لكن المراة ليست المسؤولة الوحيدة عن نجاح أو فشل العائلة. هي مسؤولية مشتركة بين سنديّ هذه العائلة.
أنا، لم أقبل يومًا فكرة “التضحية”، تضحية الأم بنفسها من أجل أولادها.
كلا… رفضتها وما زلت. الإهتمام بأولادك يجب ان يكون خيار، وإقتناع.
لا تضحّي. بل أعطي بحب.. بسعادة..بفرح.. لا تقدّسي وقتك للعائلة بل قدّسي وقتك عموماً.
أنا لم أجب. وإنّما استمعت بدقّة، وأجبت في اليوم التالي… حين أسرعت الى الجامعة وتسجّلت لإكمال دراساتي العليا.
هكذا أجبتها.. فأَطلقت عليّ صفة “الأمّ الأنانية”.
إبتسمت. وأكملت. وبعد سنوات من الأنانية هذا ما جنيته.
جنيت أولادًا يقرأوون لأنهم رأوا أمهم غارقة بين الكتب.
جنيت أولادًا يخططون لمستقبل باهر لأنهم إقتدوا بأم مثابرة.
جنيت أولادًا ينادونني بـ”الأم الخارقة” أو Super Mama كما يقولون.
أمّا “الستون سنة” فما زالت حتى اليوم تحاول نفخ الغصّة من رئيتها مع الدخان.
Leave a Reply