عرفته عن بعد صحافياً مشاكساً، ومقدماً للبرامج الحوارية المعتمدة على الجرأة، جرأته تصنف بأجرأ ما يكون في زمن كانت الجرأة فيه تعتبر وقاحة، لكنه في حينه مارس حقه النقدي الفاهم، والاسلوب الصحفي العميق دون التجريح، ودن التطرق إلى الأمور الشخصية والفضائحية، لذلك شكلت تلك البرامج التي أعدها وقدمها واشرف على كل كبيرة وصغيرة فيها حتى في اختياره للضيوف، شكلت مدماكاً في البرامج الحوارية المختلفة عن السائد في كل التلفزيونات العربية، وحينما أطلت الفضائيات كان لا بد من برامج تقلد ما أقدم عليه طوني، وبالطبع الاستنساخ مشوهاً، والتقليد غبياً، والتميز كان بتقديم الفضيحة، والعربي يحب الفضائح كي يشمت بمن حوله، وهذا جعل فضائياتنا تتسابق على نوعية متدنية من برامج الفضيحة!
وحينما أطل طوني شمعون كاتباً في الدراما لم يكن زائراً عابراً، بل دخل بقوة الإدراك لموهبة تحترم فكر صاحبها، اقتحم المجال الدرامي بثقة المخزون الثقافي والعملي الذي شكل تجارب وليس تجربة يتيمة في استدراك معنى تقمص شخوص قصته وكتابة ما فكر أن يكتب، لذلك تقدم إلى عالم كتابة الدراما من الباب العريض! كتابة وسيناريو وحوار طوني شمعون هي التي فرضت أن نتناوله في سطورنا هذه، وهو لا يحتاج منا أن نكتب عنه، وهو من يكتب ويصور ويبوح عن الجميع، ولا يتطلب حضوره المديح ولا تربطنا صداقة أو معرفة فقط التقدير لكل من يعمل في الفن اللبناني الشائك، والدراما العربية التي أخذت بفقدان بريق حضورها لكثرة سرقاتها عن الفن التركي والفيلم الهوليودي، وبالطبع السرقة يعني تزوير، والاستنساخ يعني جمود الرؤية والحضور، وهذا لا يعرفه طوني في نصوصه !
تعرف نص طوني شمعون دون أن تقوم بأي جهد، تشير إليه كلما وجدت أن العمل يخوض بأكثر من خمسة أو سبعة خطوط درامية تحاك بذكاء وصولاً إلى شبكة أساسية لخط ثابت في الجمع في قصة مترابطة! كما أنه يتعمد في تعداد خطوطه الدرامية إلى تبسيطها رغم اساسية طرحها، ومتحركة في القضايا والحدوثة، وهذه الحالة أصبحت شبه مفقودة في صناعة الدراما العربية، وبالتحديد الدراما اللبنانية التي يتوه غالبية كتابها بخط يتيم تدور من حوله الحكاية، وربما عن طريق الصدفة يوجدون خطاً جديداً يختزل بسرعة دون أي تأثير فكري درامي داخل العمل!
فلسفته
يحسب للكاتب طوني شمعون فلسفته في ابتكاره القصة، وهذه القصة تولد مفردات قصص تنسجم مع القصة الأم ولا تكون نافرة، ولا مقحمة من أجل إرضاء المنتج والنجومية وصاحب المحطة، أي أن طوني يكتب ما يجول في فكره وأمام بصيرته وضمن حياته، وداخل خياله، ويرفض إن تفرض عليه الفكرة، والسلعة، والخبرية، لذلك تجد غالبية أعماله قريبة من المشاهد حتى لو كانت تاريخية!
السلعة عند طوني محورية في إبراز ملامح شخوصه ضمن العمل، ولا وجود لسلعة تعتمد على مصالح وخدمات شللية، وهذه علة كانت السبب الرئيسي في قتل استمرارية الدراما، علماً أن طوني يختار الممثلين خلال كتابته النص القصة، ويجعل من اختاره دون علمه كسلعة في خدمة عمله، هنا وظف السلعة في خدمة خياله، وليس لصالح خدمات شخصية !
والخبرية عند طوني لا يستقلها من طلبات تفرض من المنتج حسب شهواته وتجارته، خبرية طوني هي مشاهداته وقراءته خارج لعبة الانقسام بحجة التنازل من أجل تأمين عمل، والدليل أن كتابة المسلسل مع طوني يأخذ سنوات حتى ينجز نصاً على عكس من يؤلف في الشهر ثلاثة نصوص! تنفيذ فكرة طوني فلسفته التي لا يتخطاها، وجاءت من شخصيته الصريحة، والتي لا تهادن في الرأي، ودائماً كتابات المؤلف تأخذ من حاله ومحيطه وتمرير معتقداته وأحداث مر بها، وهذا ليس خطأ، بل قيمة قمة الانغماس والتصالح ما بين الطارح والمطروح! فكرة طوني المدونة هي مدماك القصة، وقصته تعتمد على لاهوت الكتابة، وهذا يجعلنا نتعامل معها كعمل ملحمي يصلح للسينما إذا تأمن الإنتاج الضخم، وبتفوق في التلفزيون إذا أوجد المخرج القادر على بناء رؤية إخراجية للقصة، ومن ثم معرفة بتنفيذ الرؤية.. وهنا الصعوبة!
ينقصنا
في لبنان ينقصنا المخرج المتفرغ للدراما، المخرج الذي يقرأ النص، يفهم الحكاية، ويدرك مشاهده لا أن يعتمد على موظفين فيدخل اللوكيشن وهو لا يعلم ماذا سينفذ! في لبنان ينقصنا المخرج الذي يدير الممثل الشخصية لا العكس! في لبنان يتطلب المخرج الشريك مع الكاتب، المخرج المتصالح مع عمله…وهنا علتنا، وهنا الاكتفاء في وضع الإسم دون إفادة، وهنا تضيع جهود الكاتب المتميز لكونه اعتمد على المخرج الموظف، ومن هنا على طوني ومن يمتلك ناصية الكتابة المتميزة أن يتدخل في كل تفاصيل العمل حتى لا تذهب رؤيته هباء، وتصبح جهوده ناقصة! النص القصة دائماً تتطلب المخرج الذي يعلم الاختيار للممثلين، ويفقه بأجواء العمل، ويمتلك البصر المتمكن من قراءة الضوء والشكل وعمق سينوغرافيا ما يتطلبه حوار طوني شمعون…!
حواره
حوار طوني من لحم ودم شخوصه التي تعتمد على واقعية الحدث، والزمان، وواقعية الحداثة في تسويقها لتلائم قصته المعاصرة أو تلك التاريخية!
حوار طوني مسكون بالحياة وليس طارئاً، وليس ارتجالياً، وليس فزلكة لزوم حشو فراغات الوقت…
طوني يزرع الشخصية القصة كما يزرع بذرة في الحقل، يعمل على تطويرها في ذهنه، يناقشها مع ذاته، يحاكيها بكل سلبياتها وايجابياتها، يتخاصم معها ولكنه دون شك يعشقها، وهذا يجعل منه حينما يبدأ بالكتابة الورقية التي تأخذ منه ثلاث سنوات أو أكثر، هذا يجعل منه يبني شخوصها درامياً بثقة العارف بطبيعة كل شخص وبحالاته النفسية والاجتماعية وبظروف حركته اجتماعياً، لذلك لا تجد انفصاماً بشخصياته حينما تنطق لآن حواراتها تشبهها، ومفرداتها تصب في صالحها فالولادة طبيعية وليست جراء عملية جراحية توصل إلى التسويه، وربما تتطلب ماكينة الأوكسجين من فريق العمل حتى ترمم كما حال ما نشاهده ونسمعه في أعمال غيره!
سيناريو وحوار نص طوني متصالح مع كل الذين رسمهم في خطه الدرامي، وقد يرد علينا بعض الرافضين لتجربة طوني أو كارهين لشخصه أننا نبالغ!
لا، ليست مبالغة، بل واقعية واضحة إذا أراد المنتقد قراءة نص قصة حوار طوني، أو إذا تابع مسلسلاته وانتقده بعد المشاهدة لا قبلها، ليجد أن الحوارات طبيعية لا شائبة فيها، وإن جاءت ملاحظة بعد العرض يتحملها المخرج!
نعم، كتابات طوني تتطلب المخرج الحساس الذي يلتقط تفاصيل دقيقة في النص وفي ردات فعل الممثل حينما ينطق بالحوار…للأسف هذا الخلل الذي ارتكب من قبل المخرج كان واضحاً في ” رصيف الغرباء”، لقد أضاع المخرج جماليات القصة والحوار بسرعة التنفيذ، وبعدم التقاط تعابير الممثل المشهد النطق الحالة!
على أمل أن يجد طوني المخرج الذي يعشق كتاباته، وعلى أمل أن يتم التصالح في اختيار الممثلين خلال قلق التنفيذ لا بد من أن نقول أن قيمة طوني المهنية تكمن في قصته ونصه وليس في التنفيذ المشهدي والتعبيرية…هنا يتحمل المخرج كل وقائع الحالات !
قصة سيناريو وحوار طوني شمعون تدخل في تحمل مشروع بناء دراما جادة ومسؤولة، وتعيش مناخ التميز، وهي مكسب لنا لجودة الكتابة ومتعة الغوص في تفاصيل قصصه…نأمل أن يجد المخرج المتمكن في السنوات المقبلة كي يكتمل المشروع بصرياً مع إنه اكتمل ورقياً!
Leave a Reply