سمير غانم مخترع الكوميديا التي أُحب رحل!
سمير غانم ذاك المبتسم، الصريح، والعفوي، والكركتر الذي وضع بصمته في فن فرض اسعادنا سرقته الكورونا! سمير صانع الضحكة الجميلة والعفوية، والذي تمسك بفن إسعاد الناس غاب عنا في ظروفنا الصعبة، والمصالحة!
سمير غانم الذي التقيته مرة يتيمة في دولة الكويت منذ أكثر من عشر سنوات، ترك صورته في ذاكرة نظيفة، وخطف الكلام بصراحة حواره، وزرع ابتسامة نوزعها على الأرض، ويتبقى منها الكثير!
أذكر في جلسة خاصة قال لي عن أزمة الفيلم الكوميدي في السينما المصرية :” الفيلم الكوميدي انقرض، مشكلتنا ما فيش مخرج يفهم أن الكوميديا من أصعب الفنون، انا كل ما قمت بتجسيده كان من جهودي الذاتية، المخرج يطلب مني أن امثل كما اشتهي وارغب، وهذا من أصعب الأداء…يا أفندم اصلاً ما عندناش مخرج يميز بين المشهد الكوميدي أو الجملة التي تضحك الناس…كله عونطة…إحنا مثلنا كوميديا باللحم الحي، وبالروح المتسامحة، وبالموهبة الجميلة، وبتراكم الخبرات التي ولدت سمير غانم، على شان كدة ما بتشوفش افلام كوميديانية، يمكن تشوف مشاهد ضاحكة بس”!
وحينما سألته عن عشقه للغناء اللبناني حيث يردد جميعها بكل لطافة، ويغني اللبناني أينما حل، يرد ضاحكاً:” انا بعشق كل حاجة بلبنان، وأحب الغناء اللبناني أكثر من كل الغناء العربي، وذات مرة مذيع مصري سألني بانزعاج عن ذلك، فصدمته بجوابي، وقلت له أنت زعلان كده ليه، طب اسمع حغني للكبير وديع الصافي عشان تزعل أكثر…بحس بالاغنية اللبنانية بتشبهني “!
سمير غانم تميز في السينما حتى كان له حصة الأسد، وتفوق في المسرح حتى نافس الجميع، ووضع خط درامي ضاحك في فوازير رمضان من خلال ابتكار شخصية ” بطوطة” و “سمورة”…هذا الذي عاش من أجل الفن، لم يقم بصناعة مشاكل مع الزملاء، ولم يسرق الدور من فنان، ولم يثرثر، أو ينق ويشتكي إذا كان النص ولا بد، يصل إليه، ويضع شخصيته كحالة المطرب الأصيل في الأغنية حيث يكون هو كما شخصيته! سمير غانم من أكثر الفنانين الذين أدخلوا السعادة إلى روحي، كنت على الصعيد الشخصي أتابعه، ولا اشبع من مشاهدة أفلامه ومسرحياته أكثر من مرة، ولا أبالغ إذا قلت أن مسرحية ” المتزوجون” شاهدتها عشرات المرات، واليوم اشاهدها كما لو كنت اشاهدها لأول مرة!
عفوي، يرتجل حواراته لعدم وجود كاتب كوميدي يدعم الفنان الكوميدي، يحدد خطواته لكونه سيد مكانه، ولا يفرض شروطه لكونها تصله بهدوء!
هو الفنان الكوميدي العربي والمصري الوحيد الذي لم يبتعد أو يتخلى عن الكوميديا بسبب الشيخوخة، والعمر الطويل، وظل مخلصاً للكوميديا إلى حين إصابته بالكورونا وأمراض الكلي، وحتى في مرضه كان غاية بالسخرية والابتسامة!
هو من الممثلين القلائل الذين تفرغوا للكوميديا كلياً، ولم يقتحم التنظير السياسي كما فعل كل زملاء دربه من عادل إمام، وسعيد صالح، ومحمد صبحي، ومحمد نجم، وغيرهم…هو من مدرسة عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس من هذه الناحية.
سمير غانم هو سمير غانم المجبول بالفن حتى الرمق الأخير، والمصنوع من الكوميديا المعتمدة على الموقف لا على السخرية والتهريج كما حال كوميديا اليوم!
ولد الضاحك سمير في أسيوط عام 1937، وتخرج من كلية الزراعة كغالبية الفنانين المصريين، وأول وقوفه على المسرح كان من خلال خدمته العسكرية.
التقى سمير برفاق درب المحبة والشوك، أي مع جورج سيدهم، والضيف أحمد، وشكل معهما ثلاثي أضواء المسرح، وحققت هذه الفرقة شهرة عربية واسعة، وبعد وفاة الضيف أحمد عام 1970 أعلنت الفرقة انحلالها، وأخذ كل نجم فيها يحقق نجاحه منفرداً، ولكن هذا لم يمنع أن يلتقي سمير مع جورج، ويحققا اجمل المسرحيات المصرية!
تزوج من الممثلة دلال عبد العزيز في عام 1984، وأنجب منها دنيا وإيمي، وكلاهما دخلا عالم الفن. الرائع الذي كان يصيبني بالسعادة، ويصيب كل من يشاهده بالفرح، الرائع سمير غانم رحل في 20 مايو 2021 …
وداعاً أيها الرائع…
Leave a Reply