لا تعيش الشاعرة هدى ميقاتي الانفصام بين قصائدها وحياتها اليومية، بين معنى أشعارها وعلاقتها مع الطبيعة الحياة والناس والمقاومة، وربما هذا يتعبها في زمن المتلونين، وزمر قلة الفهم والأدب والشعر والاخلاق… ويدعون أنهم شعراء!
التواصل مع الذات الشعرية في العرب لم يعد ذا قيمة، ولم يعد يجعل من الشاعر متألقاً محلقاً ونبياً، هو اليوم حبيس الضوء والهروب من المسؤولية، وفي قضايا الأمة تكملة عدد، وقد نجده بالادعاء وبالثرثرة، وقد ننزعج من كثافة سطوره اللغوية لا قيمة فيها، ودائماً نتعثر بكتاب الصدفة وغرور الكذبة، والمتلونين المتصالحين مع القاتل والفاسد والظالم ومحتل الأرض، ومغتصب حياة الناس بتبريرات واهية غبية خاوية من دور الشعر، وقيادة الشاعر، وبريق سيف القصيدة داخل الثورة الحاضرة، والتي يخفت نورها كلما غاب الشعر من أبيات الشعراء، وهنا هدى ميقاتي سيدة المواقف، والحب والمحبة، والحسم، والبوح، والراية دون أن تدعي، ودون خجل، ودون أن تلغي الأخرين، ودون غرور وانتقادات لمجرد أنا هنا، ودون قلة أدب لكون الزمن تبدل من حولها!
هدى من مرتكبي التصالح مع القصيدة التي تكتبها دون أن تسيل دماء حاقدة على القصيدة كما يفعل غيرها في إصراره أن يرتكب الجريمة خلال كتابة الشعر والكلام، وغيرها إن أفرغ سمومه في سطور بهلوانية وبالونية بحجة الشعر تكبر “الخسة” في رأس من فراغات الفكر، وهات يا إدعاءات ليقعوا في إعفاءات من القصيدة!
نعم … لغة التواصل الاجتماعي، وحياتنا المادية تتكالب على الشعراء رغم تكاثرهم هنا وهناك، ورغم عدم شعورنا بوجودهم، وهدى من قلة قليلة وقليلة جداً ترسم ملامح قصورها الشعرية، وترتب الأمكنة، وتزين ابتسامات الزهور، وترشرش العطور على المفردات، وتتربع على عرشها الذي يشبهها، وبثقة تسبح في بحور الشعر داخل قصورها!
هدى ميقاتي شاعرة سنابل القمح دائماً تجدها حاضرة، لا تشعرك بالانزعاج من حماقة قد ترتكبها بحقها، تسارع بفتح نافذة مطلة على بحر الأيام لتخرج إلى ترحال جديد، وتترك لك المزيد من ارتكاب الحماقات، فالعمر بالنسبة لها قصيدة، والقصيدة حياة، والحياة عندها ولادة لقصيدة جديدة، لذلك لا تضيع وقتها بمهاترات أدعياء الكلام والحقد والشعر!
هدى الشاعرة الواقعية إلى حدود معرفتها بالخبايا، والمتصوفة الغارقة بقراءة تفاصيل التفاصيل بهدوء، ولا تتعجب رغم فهمها لمن حولها، ولأعداء القصيدة والوطن والانسان، ولا تتعجب إن بادرتك بتهذيبها، وبنعومة أظافرها الحديدية إن أرادت!
تصالحت هدى مع تعدد الترحال داخل المدينة وضواحيها كما هي متصالحة مع ضوابت انفلاتات قصيدتها، وثوابت معرفتها لقيمة الزمان داخل القصيدة وأيامها، ترحال لم يفرض عليها، بل أصر أن يضيق عليها، فجابهته بصبرها، وبعنفوان ما تمتلكه من حب لتوزعه على الأحفاد والأصدقاء والاهل، والوجوه الجديدة ونوافذ منازل تغيرت مع كل ترحال، وهذا أولد لديها غياب العقدة من الجديد، ومن الأمكنة…
وبسرعة تصادق هدى الأمكنة، ولا تخاف جدران منازلها، وتعاود ترتيب كتبها حينما تشعر بفراغ المساحات، وتصر أن لا تبعثر مكتبتها، وتهاتف صور تنقلت معها من جدران إلى جدران بصفاء النية، وبكبرياء الذاكرة رغم أوجاع حضورها كلما غازل الهواء صفحاتها!
هي وقصيدتها قيمة متفردة بالتوحد بالتصالح بالمجامهة، هي ناعمة تطير مع الفراشات، ولكنها حادة إن حاولت أذية الإنسان فيها، هي ضعيفة أمام الأحباب وصور المرأة في شعرها يومياتها، وقوية إن أرادت الحسم، وهي الدمعة داخل كل فرح لكونها قارأة لتفاصيل التفاصيل دون كلل وملل، وهي مقاومة لم تخن رسالتها، صورها، عمقها وأخواتها والقضية والوطن ودماء الشهداء…
هدى ميقاتي بإختصار شاعرة مكللة بتاج من نور الشمس، وسهر القمر، وعطر الورود، ونار البنادق، هي شاعرة قد تكون من أخر الشاعرات الشعراء في زمن يطرح علامات استفهام بكل وضوح على وجود من يقول بأنه من الشعراء! دائماً اعود إلى دواوينها الشعرية، ودائماً تقصف جبهاتنا المتعبة، والمنشغلة بالتطفل عبر صفحات السوشال ميديا، ونسمعها بشكل يومي عبر الإذاعة وهي تصر على معانقة زهور الأيام رغم زماننا المشوش، وإن وصلتك زهرة من دون عطرها تسارع هدى بفرض العطر من خلال قصائدها…
وإن هاتفتها خالفتها جاملتها وناقشتها تسرق منها لحظات من الشعر الجميل والعميق والغني بصورنا، وبما تبقى لنا من عنفوان!
غنية هي سطور هدى ميقاتي الشاعرة والإنسانة، وثرية هي بهدوء يحمل ثورة إن قررت، وكنزها معنا و لنا نجده مع كل قديمها وجديدها الشعري، وفخرنا بما حققته من نجاحات، وجوائز جاءت إليها ولم تدفع ثمنها، أو تذهب هي إليها!
هذه هي الشاعرة هدى ميقاتي، وهذه بعض أشعارها وقصائدها:
بونبونة لصفقة القرن
حوقِلْ يا ثعلبُ بسم الزورِ ودُر ْ
حتّامَ المكرُ يدور ْ
الصِقْ في الرأس قلنسوة ً
تبقيكَ العبد المأمور ْ
وتأمّلْ في المنظار دجاجآ
أو أفراخآ خلف السور ْ
وتلمظْ ريقآ مسمومآ
واغمِضْ عينيكَ فتلك نسور
ْ واتبع أفيال الوهم،ِ
غدآ سيزول الوهم ُ يَطيش الحلم ُ
وتُذبحُ بالقرن المكسور ْ
####
وما القلبُ إلاّ مضغةٌ في نسيجها
خيوطُ غرامٍ للذي اشتاقهُ القلبُ
فإذا نسلتَ الخيطَ لم يبقَ خافقٌ
وتـُزري بك الأشواقُ والوجدُ والحبُّ
وقد يُنكِرُ العذّالُ ما كان بيننا
وترضى به الأنسامُ والبحرُ والغيبُ
###
سيشمخ عشبُنا في المَحْل أرزاً
ويولَدُ طفلُنا في الظلم غولا
ويَفترِعُ الضياءَ جناحُ نسرٍ
يطوفُ، وتـُقرَع الدنيا طبولا
خيولٌ يعربيّاتٌ ترامى
على صدر المدى همّاً ثقيلا
تدقُّ عليه تفتح ُ ذكرياتٌ
تهلِّلُ، يَخرجُ الماضي عجولا
ألا يا ليلُ لا تكسرْ زنادي
بل اشحذْ همّتي وانبش أصولا
أنا ما زلتُ من أصلاب قومي
سليلةَ نطفةٍ ترجو حلولا…
Leave a Reply