# الملحن الشرقي تاه ويعيش نعمة سرقة الأنغام التركية واليونانية
# الملحن والشاعر ارتكبا فعل توهان صوت المغنيات
# نجد في برامج الهواة أصوات أهم من شهيرات في لجان التحكيم
# في الماضي بصمة وتفرد رغم تواضع بعض الأصوات
بقلم // جهاد أيوب
تجربتنا اليوم في الاستماع إلى من يغني تشبه واقعنا بكل تفاصيله وتناقضاته، نسمع من غير مسؤولية بسبب سقوط كل المشاريع، وأخرها المشاريع الدينية، ونهرول إلى الغناء وليس بالضرورة تصحيحه بل لأننا لم نعد نعرف الاختيار، المهم أن نتسلى، وهذا جعل غالبية الغناء العربي من غير كرامة، ومغنيات لا تتمتعن بالكلمة، ولا يسبحن بالخيال، وقماشه أصواتهن سيئة، ومنهن دون “ألتنكي”، والوسطي، والقليل القليل هو الجيد.
الصوت لمن لا يعرف هو البوق، أله موسيقية إذا كان العازف فاشلاً لن يستطيع إيصال نغماته، لكنه قد يعزف أو يغني لحناً جميلاً راقصاً محدوداً، ونستطيع القول، وبوضوح العبارة أن الغالبية المطلقة لا تغني بطريقة صحيحة، ولا يعرفن أصول نطق مفرداتهن العربية، ولا الوجدانيات والتقنيات والنغم الشرقي، لا يعرفن الماضي، ولا يرغبن بالاستماع إليه كي يتعلمن، الشهرة سبقت التعلم، ومن المستحيل صناعة الجديد إذا لم تتعرف على ماضيك، وهذا يجعلك فاشلا في الابتكار، أقصد لا حاضر من غير الماضي، وحتى المعاصرة هي امتداد لماضيها الغني ومن رحمه، لذلك الملحن الشرقي مات وتاه وتلاشى، وغالبية الأسماء التي نسمع بها تعيش على نعمة السرقة من الألحان الغربية والتركية واليونانية ويا ليتها سرقت من شرقها، وهي لا تعرف توجيه المغني، ولا تجيد اللون الغنائي فكيف بالمغني الجاهل سيجيد بالألوان الغنائية ومن حوله جهلاء؟!
السواد الأعظم من أعمال اليوم فاقدة الوعي، جملة في الكلام على لحن لا جملة نغمية فيه، ولا صورة تغري الذهن بل ينقصها الصدق، أغنية اليوم “كوز أعجر” أي غير مستوي، ولا انسجام بل تسرع .
نعم يوجد خامات جيدة عند بعض الأصوات النسائية، ولكن العبرة في الأداء، وهي تفتقر إلى معرفة أصول الغناء، سماتهن الاجترار والتكرار، ولا يعرفن الطرب في أصواتهن، كأنهن زجاجٌ منكسرٌ، وقد نجد كما هو حاصل في برامج الهواة العديد من الأصوات غير المعروفة أفضل من شهيرات في لجنة تحكيم لا يفقهن بالغناء!
إن غياب الملحن الموجه والمبتكر معضلة، وهو الخائف من شهرة المغني وقطع رزقه إذا اعتمد العلم، وسذاجة الشاعر الباحث عن شهرة سريعة دون الإلمام بأصول الشعر وكرامة الكلمة يقضي على الابتكار، الملحن والشاعر ارتكبا فعل توهان الصوت، وأصوات غالبية المغنين اليوم وبالتحديد المغنيات ليس خلاَّقًا، ولا يستفز الملحن والشاعر حتى يبدعان، يضاف الاستسهال في تركيب اللحن دون جملة غنيَّة، وترك مهام سد العيوب إلى التوزيع حيث يلمع ويبهر ويضيف إيقاعات يلهي بها الناس، وقد لا تنسجم مع طبيعة اللحن والكلام والشرقي بينما بيت القصيد تائه!
غناء الأمس
ليس كل من كان يغني في الماضي يتمتع بقماشه صوتية جميلة، ولكن كان هنالك بصمة، وتفرد، ومن يوجههم ويعلمهم ويهذب أصواتهم، ويدركون مسؤولية الخوف من النقاد، وكل من نجح كان له لونه، ومدرسته، ونذكر عبد المطلب لم يكن صاحب صوت جميل، وخامته غير جيدة رغم “جهوريتها”، لكنه شكَّل مدرسة جراء الغناء الصحيح. وسيد مكاوي صوته ليس صوتًا مهمًّا وجميلاً، وشكل غنائه حالة صحية، وشغل الجمهور لكونه يعرف أصول الغناء، وحتى فهد بلان رغم عذوبة صوته، صدم الجميع بطريقة غنائه، لكنه كان يغني حسب الأصول دون أن “ينشِّز”، ومخارج حروفه سليمة رغم تضخيم المفردة، ويقال أيضا إن الشيخ زكريا أحمد لم يكن يمتلك صوتاً جميلاً لكنه غنى “على الأصول”، وباختصار الثقافة توصل إلى الأداء الصحيح، وهذا الأخير هو الإحساس حيث يتسع وينتشر عبر أصول الغناء وليس عبر خلع الملابس والدعارة الجسدية!
غناء اليوم
لا متعة في غناء اليوم، بل حالة من الجنون الراقص والرافض لواقع الحياة، وتضيف على مصائبها مصيبة تشبه الغناء مع إنها ليست غناءً، هي هروب من البطالة، والسياسة، والمشاكل الوطنية والقومية والاجتماعية.
غناء اليوم لا ثقافة موسيقية فيه، ولا حِرفة في صنعه ولا عاطفة عميقة، بل التصنع بحجة التمثيل الغنائي، وتقديم ما هو متاح، لذلك يختار من يغني من خلال شهوتهم ومشاكلهم الجنسية أكثر من علاقاتهم العاطفية، وعندها يفقدون المتعة في السمع، وتتكالب عليهم العلل، وكل من يغني اليوم لديه علة، ومن يغني عليه أن يتعلم حتى لا يقع في العلة، والعلة هي النقص في الغناء وتصبح تهمة، وحالة ضعف، وهي تخرب الباقي السليم، فمثلاً من يتفوق في الرياضيات ويأخذ صفراً في الأدب العربي لا يسمح له النجاح ونيل الشهادة، الصفر ممنوع، وغالبية غالبية مطرباتنا أو “مكرباتنا” أصفارهن كبيرة وكثيرة في الغناء، ويلتقطن الغناء من أطرافه، ويعاملونه كمهنة!
أغاني اليوم سهلة الأداء، وهذا سبب كثرة المغنين، و من يريد الغناء عليه أن يتمرن سمعياً، وموسيقياً كل يوم، ويتعرف على صوته وأماكن ضعفه وقوته وتقنياته، والأهم أن يعرف المقامات والنوتة حتى يصبح محترفاً.
والأخطر من كل ما ذكرته أن العديد من المغنيات و المغنين الذكور، ورغم تفوقهم على السيدات علماً ومقدرة في فن الغناء، الكل لا يعرف غناء الموال، وبالتحديد الميجانا والعتابا، والتراث اللبناني، وأبو الزلف، والشروقي، يخافون أنواع الموال اللبناني، أصلاً لا يعرفون أن هذه المواويل منبع اللون اللبناني، وعلى أساسهم يتم تحديد الصوت!!
مشكلتا أيضا في عدم وجود نقاد وإعلام مسؤول، الناقد يصبح عدواً إذا كتب بالمنهج العلمي ويخاف قطع رزقه، والإعلامي يخاف أن لا يتواصل مع الفنان فيفتقد المعلومة لأنه لا يسعى إلى البحث والعلم والتنقيب، بل ينتظر وصول الخبر وهو في مكتبه، والمغني من كثرة المطبلين من حوله يعتقد انه فاتح القدس والعصر، وإمام العالم وسيد الكون… الإعلام دخل المعمعة مع الغناء، وساهم بفعل التشويه، ولم يقرأ ماضيه، وأهمية دوره.
Leave a Reply