عرفته مشاكساً ليس صديقاً لي، لكنه من الشعراء، وكله يفوح منه الشعر حتى لو لم تتفق مع تعليقاته، وجملته، وجلسته، وكثافة ضباب سجائره!
قرأت قصائده بصوته أو عبر منشورات ورقيه، ولم اتعرف عليه من خلال الديوان الورقي.. كنت احب قراءة شعره، انسجم مع صوره المختلفة، وأذهب معه في رحلة خاصة، ودائماً اتوقف مع حالة، وأعاود قراءة قصيدته لأكتشف حالة جديدة! اعتذر عن الكتابة الشخصية، فهذا الشاعر عرفته من بعد، راقبته خارج المساحة، ولم اتطفل من أجل الصداقة، أو الزمالة، ولم أحب أن اصادقه…!!!
الشعراء يطرحون حضورهم بعشوائية وجودهم، ولا ينتظرون أن نقترب منهم، يعيشون في قصور نرجسيتهم، يسبحون في غيمة صغيرة يصورونها الكون!
لا يكترثون لثرثرات غيرهم، وهم كل الثرثرة!
لا يرتدون عباءات لا تشبههم، وهم من يصنع عباءة ترسمهم! يحفرون أوطانهم على الرمال، على حجر من صوان، على ندى الصباح، على ورق الشجر، على زهرة الربيع…
ويتمخترون الرحيل…
هذا هو كل شاعر، وهذا هو حسن عبد الله…المتفاخر بحاله ووضعه ووجوده وشعره…
كم أنت حزينة يا مدينتي بيروت، وكلما سقط الشاعر من حروفك غاب عنك التضاد والفوضى المحببة، والاختلاف الذي يزرع الفكر، وينير الفكرة! بيروت تتقلص، تنزوي، تزداد غرابة مع رحيل الشعراء…
وحينما يموت الشاعر تموت مدينة عربية، وتنخفض بيروت لتلملم أشلاء من تبقى، ولكننا في زمن الهمج الوجودي أُتعبت بيروت من ظلم العرب لها، ومن قساوة أهلها، ومن جحود الشعراء الشباب لها، فقررت الأخذ إلى الأنزواء بعد أن كانت المقصد والخيمة والسجن المفتوح دائماً لكل الشعراء، ولكل تشكيلي، ولكل مثقف وإعلامي وصانع الكتب! شاعر “صامدون هنا صامدون هنا” الشاعر حسن عبدالله يقال أنه قد رحل…وهل يرحل الشعراء؟!
الشاعر لا يعرف الموت معه الشمس معه المعول، وغيمة المطر… لذلك حتى لو عادت الروح إلى خالقها تبقى أشعار الشاعر حاضرة كالروح بيننا…
حسن الساخر، والمتقلب بمزاج ضاحك، وشارب السجائر بشهية، المراقب بحدة، الناقد المنتقم غير مبالي الشاعر حسن عبدالله حمل حروفه وسافر بعيداً…
مليت أنا كاتب هذه السطور…
ومللت من الكتابة عن رحيل من اعرفهم…
تعبت يا اصدقائي من الكتابة عن الموت…
حزين من الداخل يا رفاق…
كل شوي بموت من اعرف…
افكر باعتزال السوشال ميديا…
هذا المرض ينشر خبر الموت ببساطة وبفجور…
الله يخلي اولادكم ويخلي من تبقى من شعراء بيننا…
لقد تعبت كثيراً….
Leave a Reply