كتب// جهاد أيوب
بمناسبة عيد ميلاد السيدة الأسطورة صباح دخلت دفاتر ذكرياتي، وما دونته عن الأيقونة ولم انشره، راجعت الصور، الاشرطة، ولقاءات وحوارات وصفحات لا تعرف النسيان، وقيمة لن ولم اطويها ونطويها إسمها الصديقة الأم والوطن، وميثاق المحبة، وهدير العطاء، وقيمة التسامح، ومدرسة التطنيش، وجامعة التواضع وسيدة الحسم والعطاء …إنها صباح …
تلك التي قدمت ما يعجز عنه ملوك وأمراء وحكام لأوطانهم من فرح وسعادة ومواقف ورايات من الفن النظيف الجميل…
إنها دولة قائمة بذاتها تدعى الفنانة الإنسانة صباح.
قبل إسبوع على رحيلها تواصلت مع العزيزة المخرجة كلودا عقل كي نلتقي في دار السيدة صباح بفندق ” برازيليا”، كان اللقاء رائعاً رائعاً، يومها اقتربت من الأسطورة، قبلت يدها وعطرها الإيطالي يغمر المكان واللحظات، وسألتها:
” سيدتي ما تحبين اليوم ان تغنيه بعد هذا المشوار مع كل أنواع وألوان الغناء السهل الممتنع والصعب أحياناً؟”.
ردت بسرعة، ولم تتجمل البوح:
” في هذه الأيام أحب غناء الموال اللبناني، منذ سنة لم أجد من يكتب (القرادي)، أرجوك أجد لي كم بيت عن لبنان من هذا النوع…اشتاق إلى غناء الموال على المسرح”.
وبعد اندهاش من رغبتها هذه، سألتها معاتباً:
” سيدة صباح أنا وكثير من اللبنانيين نحملك أنت ووديع الصافي والأخوين رحباني الكذب علينا، فلقد صنعتم من خلال اغانيكم وحضوركم لبنان الجمال والعدالة، وحينما كبرنا اكتشفنا الكذبة…لماذا كذبتم علينا؟”!
ابتسمت ابتسامة ناعمة وأجابت:
” لماذا لم تذكر السيدة فيروز، هي حبيبتي، وتعبت معنا حتى أصبحت الأغنية اللبنانية بخير مع الرحابنة أيصاً…استاذ جهاد، نحن لم نكذب، قدمنا ما كنا نشعر به ونحلم به، ومن حقنا أن يكون لبناننا كما نريد ونتمنى، ولكن العالم يغار من نجاح لبنان، وبعض زعاماتنا اخفقت في فهم لبنان…اطالب أن يسمعوا أغاني صباح في مجلس النواب ومجلس الوزراء دائماً حتى يتعلموا حب لبنان وقيمته…لا تخاف، مر على لبنان أسوأ من اليوم وفي كل مرة ينتصر لبنان…بلدنا رغم صغره أشعر بأنه الكون…”…
* بعد اسبوع غابت الشمس عن جسد الأسطورة صباح فجراً لتبقى شمسها ساطعة في ديوان العرب والمكتبة الموسيقية وفي ذاكرة من ذهب.
صباح
كم نشتاق إليك اليوم في زحمة الحزن المتراكم من حولنا، والمتزايد مع دقائق الزمن!
لبنان يا سيدتي ليس لبناناً، وحقد الأبناء والعم والخال شرذم أوراق أشجاره وسنابل قمحه وأغصان أرزه!
لبنان الفن لم يعد ذاك الذي صنعتيه أنت وأبناء جيلك، الغناء سرقات متراكمة لا ينتمي إلى الغناء اللبناني، وألحان من غير جملة موسيقية، ولا يوجد من يعرف غناء الموال اللبناني، وشعراء من دون موقف، وأدباء من غير ثقافة، ودبة لا يوجد رجال حتى يدبكونها رقصاً من عنفوان الحلم، وإعلام للإيجار والفتنة، ودولة مفككة، وبرامج منوعة بالكاد تعرف لبنان…!
العرب في انحلال، والهجرة حلم كل إنسان في وطن شريعة الغاب!
سيدتي، وقاسية كلمتي إذا قلت أن رحيلك كان أرحم لك، من الصعب عليك أن تشاهدي لبنان يتمزق، وأحلامك تتبدد، وما قدمتموه في العرب أكله غبار الجحود، ووطننا الكبير أصبح زاروباً للتقاتل والحقد، حتى الدين اخترعوا من حوله دين الدجل!
نحن من عاش معك يعرف صعوبة أوجاعك وانت تشاهدين العربي يغتال العربي، واللبناني يزداد حقده على اللبناني، والكل يبحث عن رغيف الخبز والدواء والسيف والخنجر…
لن أطيل أكثر، وعلى أمل أن يتعلم العرب من نشيدك “الوطن الأكبر” إلى جانب كوكبة من كبار نجوم العرب…وكم أتمنى أن تُدرس اغنياتك الوطنية في مناهجنا التربوية لكل المراحل، وصولاً إلى مادة قانونية تلزم الزعيم والنائب والوزير ورجل الدين، والموظف في الدولة أن يسمعوا اغنياتك الوطنية كي يتعلموا الحفاظ على حب الوطن…!
صباح …
نشتاقك دائماً، وحتى اللحظة لم ننجح من تكريمك كما تستحقين، والدولة منحلة لا تعرف الكبار من لبنان، وظروفنا الحياتية اغلقت أبواب الحوار والتواصل …وعلى أمل أن نتمكن من تكريمك…سامحينا…
Leave a Reply