بقلم // جهاد أيوب
من السهل أن تُدرب شخصية فنية واحدة على الأصول في موهبة، ولكن الأصعب أن تقوم بتدريب مجموعة كبيرة في لعبة إظهار مكامن الجمال داخل الموهبة، والاخطر تدريس وافهام والالتزام بدروس عالم الغناء وصولاً إلى نتيجة جيدة رغم تعدد الأشخاص في الصف الواحد إلى أن نكتشف نحن عشاق الفن النظيف أن ثقافة الصوت وأداب الأداء والنطق السليم ومخارج الحروف الصح والعُرب في مكانها دون فرض لعضلات وإمكانيات الصوت كي لا نصاب بالازعاج…كل هذا وجدناه في أعضاء فرقة كورال المشرق العربي مع القائد المايسترو إبراهيم الضابط ” البمباشي” على خشبة مسرح المدينة أمس الأول.
#الحفل
45 حالة صوتية بين الشباب الأقل “10” وكثافة عاصفة الصبايا “35”، دخلوا المسرح دون ضجة، يرتدون الازياء الفاخرة والمدروسة بشطارة الابتكار واناقة التنفيذ، أجواء بدوية على تراثية مشرقية مع الذهبي على قماش الأسود دخولاً إلى الزمن العثماني في قمصان الشباب” كنت اتمنى أن يلتزم الشباب ببنطلون موحد، وكذلك الحذاء بين الصبايا والشباب”، وذلك من أجل أن تكتمل المشهدية البصرية في سينوغرافيا تضفي جمالاً مع الحضور الأولي ومن ثم مع ما انشدوه!
يدخل “البمباشي” القادم إلينا من طرابلس الحبيبة لينطلق مع براعم النسمات إلى عمق لؤلؤة التراث منذ 120 سنة ” منة النفس وأسرت” …حضور قوي ومتقن لأداء الصبايا، مع أخطاء تلمسناها في أداء الشباب أكثر من مرة رغم أن العمل مسجل، أما في ” نور على الأكوان” أو انشودة ” محمد يا رسول الله” كنا قد سمعناها بصوت المصرية المعتزلة ياسمين الخيام واعجبنا بها جداً آنذاك، مع كورال المشرق الإعجاب اهم، الدهشة بأناقة النطق والانسجام مع الموسيقى والصوت غاية جمالية، وقد تفوقت المنشدة غادة بليق في أماكن على ياسمين بحنكة استخدام العُرب والطبقة والنَفس، صوت غادة متقن، مهذب، مدرب، فيه الطيور تغرد وليس طيراً واحداً، متمكنة في انتقالها من مقام إلى آخر بهدوء وتطريب دون تعمد، وهذا يعود إلى حسن تدريب الصوت والأذن معاً، فالمطرب الذي لا يسمع صوته كما هو حاصل مع مشاهير اليوم عبيط جداً وجاهل بما يعمل!
تلاها ” في ربى وادي مِنى” أداء جميل فيه انفعالات منضبطة، وبعدها ” زارني المحبوب” وأه من زمان سيد درويش، إلى ” دايب من الحب” في الأصل هي أشهر أغاني شادية ” إن راح منك يا عين” هنا تم تغيير الشعر وأيضاً التصرف في نغمات بعض من جمل اللحن لأسباب مهما كانت لا احبذها، ومع ذلك كان لانسجام الصالة حالة خاصة رافقت الانشاد كل الوقت.
“صادق الوجود” و ” حب النبي” روعة الأداء الجماعي وصولاً إلى تحفة ” الأم” مع ثلاث صبايا تميزن نطقاً وهمساً وأداء. ودخلنا المصري البحت في ” محمد هادينا” صولو مع بنات اثنين، تطريب وحنكة في الأداء الصح والصعب.
“يا زاير المصطفى” أصلها ” الدنيا كانت” قدمها صولو الصوت المتمكن والانيق أحمد قرانوح، أداء من القلب والروح، كل ما في وجه هذا الشاب يغني، احساسه في نطقه وحركة نظراته، يحتاج فقط إلى أن يتدرب على كيفية الوقوف منفرداً على المسرح، وهذه غاية بالأهمية وسهلة مع صوت متمكن وهادر كصوت أحمد.
وصلنا إلى أبو الموشحات الحلبية عمر البطش في ” قُلتْ لمّا غاب عني” رغم عمرها أكثر من قرن لكنها ابنة اللحظة، تأدية الكورال مع صولو أحمد قرانوح، وعاود أحمد فرض عضلات صوته بعذوبة وشطارة، وتدارك اللعب بالنغمات من خلال ذكاء المدرب المايسترو قائد الكورال، هنا جهود البمباشي واضحة في تلميع صوت الصولو والمجاميع!
وكانت المفاجأة آخر أعمال الراحل الكبير المايسترو إحسان المنذر ” لا زالت الأنوار” جملة موسيقية تسكن الروح، وانغام تعانق النفس مع أداء ثلاثة شباب متميز بتفاوت النوعية ” لدينا ملاحظات قلناها للشباب في حينه”!
في المدلي الحلبية و باب الحارة وأهل الراية اكتشفنا صوتاً شاباً، هو خالد ماريني، متميز بحضوره المبتسم في صف الكورال، وحينما سمح له بالتغريد فرادة وجدناه يمتلك حضوراً مسرحياً محبباً، أما الصوت ففيه بريق لمعة الكرستال، أنيق جداً، يبرح في الطبقة المنخفضة، شكلاً ومضموناً في حالة انسجام، فقط يتطلب من البمباشي تدريبه على اكتشاف كيفية فتح فمه واستخدام الهواء منه، وأيضاً عليه أن يتدرب في المساحات المفتوحة!
” طاير أنا قلبي” أصلها أغنية ” طاير يا هوى” ذكاء في توزيع الأدوار بين أكثر من صولوا نسائي وشبابي، وقد احدثت تجاوباً رائعاً مع الصالة…ومن ثم تحية إلى الوطن ” سيجنا لبنان” مع الكورال، ومن بعدها الختام مع كوفية فلسطين.
#بسرعة
في الحقيقة لم نتمكن من معرفة أصحاب غالبية الأصوات التي لفتتنا رغم ما قمنا به من جهود لمعرفة البعض وما سينشد، وذلك بسبب عدم طباعة بروشور يُعرف على المؤدي وما هي الانشودة واصحابها، وهذا خطأ لا يؤجل !
كما وقع الحفل بأخطاء فنية وتنظيمية كثيرة، ومنها ما حدث في الاستراحة وما تلاها على المسرح، سنقولها مباشرة لأصحاب العلاقة من أجل الحفاظ على الفكرة المطلوبة، والنشاط المهم، وجمال التواصل المنشد والموزع وقيمة الجهد الذي بذل، وأتمنى فقط إيجاد من يفقه بالإخراج المسرحي كي ينظم الظهور والوقوف والإضاءة وتوزيع الأدوار وتغييب الكلام!
أما بخصوص الأداء الغنائي الانشادي لبعض الأعمال عبر ” بلاي باك” على المسرح مباشرة، فهذا ليس عيباً، وكبار النجوم في العالم يستعملونها في حفلاتهم الضخمة، ومنهم مايكل جاكسون ومادونا وشارع ازنافور وداليدا…للمسرح ظروفه، وللفنان خصوصية وضعه، وللفِرق الانشادية الكبيرة كهذه الفرقة عقبات ومشاكل قد تعيق بعض اللحظات، ولكن مع فرقة كورال المشرق كان الأداء قمة من الذكاء، ولم يلحظ ذلك إلا الخبير، فالجميع حافظ، وكان البوح متمكناً على المسرح، ولا يحتاج الأمر إلى أن نفرض عضلات النقد على كورال يخرج من تحت رماد الصبر والتعب في لبنان، وبجهود فردية فردية!
تبقى كلمة شكر للمايسترو قائد فرقة كورال المشرق العربي التي قام باطلاقها السيد إبراهيم الضابط ” البمباشي” منذ عام 2005 وإلى اليوم بعد 11 سنة يقطف التميز، ويساند الأصوات اللبنانية الموهوبة، وما سمعناه اليوم أفضل من جميع مشاهير العالم العربي ممن يدعي الغناء والنجومية!
شكراً على هذه الجهود المضنية في زمن القحط الفني الثقافي الموسيقي الغنائي والأدبي والأخلاقي والديني والسياسي…جهود اسعدتنا في أمسية غنية بتواشيح واناشيد واغنيات ذكرتنا بالخالق والمصطفى والوطن خارج زحمة وساخة ما يحدث في الخارج!
Leave a Reply