يعتبر المسلسل السوري “ولاد بديعة” أكثر الأعمال انتشاراً ونجاحاً وانتقاداً وليس نقداً لهذا الموسم الرمضاني رغم مساحات القتل والدماء والشر المطلق، ورغم تمجيد مخرجته رشا شربتجي للجريمة والحقد والألم، واستسهال القتل والدماء، ورغم سيطرة الطمع والحقد وتربعهما على الفوز والانتصار…رغم كل هذا في جلساتنا هنا وهناك نسمع المتابعة بشغف، وسيرة شخوصه والهجوم القليل، ولكن مدح مخرجة العمل والفريق المشارك أكثر!
لا خلاف أن المخرجة رشا تمكنت وبتفوق من تقديم رؤية إخراجية صعبة تنطلق من أن البطولة جماعية، وهذا لم يعد يتواجد في دراما العرب، وكانت الدراما السورية قد بداتها، إلا أن الحرب العالمية على دولة سوريا والمنتج اللبناني والخليجي خاصة السعودي والإماراتي قضوا على البطولة المطلقة، وسجنوا غالبية الأعمال ببطل أو ببطلين، وهات يا تسويق وشراء الذمم في الإعلام!
هنا رشا قدمت مجموعة كبيرة من شركاء البطولة، وحتى فريق الكومبارس والفنيين كانوا ابطالاً، وهذا الجهد يحسب لها ولصبرها!
كما اصرت أن تنطلق برؤيتها من خلال مشاركتها في توليفة الأحداث التي لم تخن القصة وابعادها الدرامية رغم كثافة الخطوط الدرامية غير العجينة والهجينة وغير المركبة أو المقحمة، ولا خلاف أن علي وجيه والفنان يامن الحجلي شركاء بتأليف العمل يشكلان ثنائياً رائعاً وناجحاً كما حالهما في المسلسل المنافس بثقة ” مال القبان”، حواراتهما في صلب الحدث، والسيناريو لا يقتحم الملل… ويضاف إلى رؤية المخرجة اختيارها للأمكنة وتحديد الزمان والإضاءة والشكل العام لمشاهد اعتمدت على سينوغرافيا واقعية بما حملت و” لوكيشنات” صحيحة…وهنا بيت القصيد!
وأيضاً التعب والصورة على الذات الإخراجية، وعدم تكرار التجارب السابقة من مخرجة توافقها أو عدمه لكنها تقدم مع كل عمل ما تريده وتخطط له وتتميز ولا تشبه غيرها!
▪︎الإشكاليات والمرض
صحيح كم تمجيد المخرجه في الشكل للجريمة بما تحتوية من ردات فعل وانفعالات وتبرير الأسباب يزعجنا ويقلقنا، إلا أن إدارتها للممثل، وتواصلها مع تفاصيل العمل بدقة وبعناية مع القصة يجعلنا من الناحية النقدية نرفع لها القبعة، ونقدم لها باقة ورد من جوائز التقدير!
– يزعجنا هذا الكم من الجرائم المستمرة منذ الحلقة الأولى إلى قرب النهاية، وتمكن الحقد الذي لا ينضبط ولا ينضب من استمراريته، خاصة نحن في شهر الصوم مسيحياً وإسلامياً، ولكن صناع الدراما في العرب أصبحوا يفكرون بطريقة مختلفة، ولو عرض في مواسم ثانية ما كنا قد اثرنا الملاحظة هذه!
– يقلقنا نجاح هذا العمل لا بل تفوقه عن غيره عربياً، وأن الناس والجمهور العربي تقبله رغم قساوته وإجرامه اللا محدود، وتضخم القتل والدماء والحقد فيه، وهذا يعني أن المجتمعات العربية أصبحت مريضة بداء ما طرح من عنف، ويتطلب ذلك علاجات نفسية لأمة تدعي التسامح والسلام والصفاء!
نجاح ” ولاد بديعة” شعبياً ظاهرة مخيفة جداً، وإشارة إلى أن العرب دخلوا انفعالات أمراض الحقد، واستسهال الجريمة، وتغييب العقاب الرباني والدولة، وإلا لماذا هذه النوعية من البرامج تحتل مساحات من النجاح؟
أنا لست طبيباً حتى أجيب، فقط أشير إلى هذا المرض، وهذه العلة المخيفة التي زرعت في مجتمعاتنا، وتتفوق!
▪︎المشاركون
قبل الولوج بتسمية بعض أبطال العمل لا بد من لفت النظر إلى طريقة التصوير والذكاء في التقاط المشاهد، وفي هذا العمل رائعة وتجعل من المشاهد شريكاً.
كما لا بد من التنويه بالديكور، وبالإضاءة، وبالمكياج ككل، وأبعد عن التنويه الإيجابي من صنع مكياج سلاف حيث أظهر وجهها بعورات كثيرة ومزعجة!
لم تفلت الشخصية المركبة المريضة نفسياً وجسدياً للحضة من محمود نصر، محمود مغامر ومتقن وجرأته في اختيار الأدوار الصعبه، ومع هذا الدور هو مختلف ومتفوق!
سامر إسماعيل “لأول مرة اتابعه”موهوب جداً، ويعرف قيمة حركة الجسد، هو في الحلقات الأولى البطل الفعلي، واستمر بفهم أبعاد الشخصية وحالاتها بذكاء، فنان نجم وله قريباً الحضور القوي بشرط أن يدرس مخارج الحروف جيداً فكثير من المفردات تفلت منه!
تواصل المتابعين مع شخصية يامن الحجلي ملفت رغم تعمده تكرار هكذا نوعية من الادوار، ولكنه في الحلقات الأخيرة تفوق، ونجح حتى الابهار، يامن كاتب خطير وممثل مهم إذا وجد الإدارة في الإخراج!
سلاف معمار في أفضل حالاتها، مقنعة وجاهزة، وكان عليها بأن تتدرب على الرقص لا أن تكون عابرة!
نادين تحسين بك سيدة في ما يسند إليها، وإمارات رزق تفوقت وأكدت موهبتها، ونادين خوري قديرة من زمن الكبار…
العمل قدم العديد من الوجوه الفنية، ذكرهم يتطلب مساحة أكبر، وما لفتني مشاركة وجوه شبابية تبشر بالخير، وينطلقون مع رشا بثقة!
الوحيد الذي كان يمثل في العمل ولم يقنعنا هو رامز الأسود، وطريقة تقديم شخصية العنترية بهذا الشكل خطأ تتحمله المخرجة رشا!
Leave a Reply