ذكرت بعض المراجع التي رافقت العندليب ، أنه على الرغم من إجماع النقاد على أن موهبة العندليب الأسمر “عبد الحليم حافظ” توقفت عند حد عذوبية الصوت ولم تمتد للتمثيل، إلا أن الواقع يدحض هذا الرأي، وبخاصة أنه استطاع استغلال ملامحه الهادئة وعينيه الحزينتين وصوته الرومانسي في إخفاء وجهه الآخر عن أعين الجمهور باحترافية شديدة.
فكل عشاق العندليب الأسمر لا يرون من شخصيته سوى أنه فنان عبقري تحدى أوجاعه الجسدية في سبيل تحقيق أحلامه، دون أن ينتبهوا إلى التأثيرات النفسية للمرض عليه والذي أصابه بعقدة نقص جعلته يرفع شعار “أهلا بالمعارك” مع زملائه من المطربين كي يثبت تفوقه على الجميع..
وكشفت هذه المصادر عن بعض ملامح الوجه الاخر له معتمدة في حديثها على وقائع أعلنها الأطراف الاخرى في معاركه معهم.
الملمح الأول وهو “الغيرة”، فقد وصلت عداءات العندليب الأسمر في الوسط الغنائي بسبب الغيرة إلى ما يزيد على ستة عداءات، سنبدأها بأزمته مع كوكب الشرق “أم كلثوم”، والتي حدثت عام 1964، عندما تشاركا معا في إحياء حفل ذكرى ثورة يوليو، وأطالت “كوكب الشرق” في الغناء فخشى “عبد الحليم” من انصراف الجمهور قبل أن يصعد على المسرح، وهو ما جعله يحرجها قائلا: “شرف ليا إني اغني بعد أم كلثوم بس أنا مش عارف ده شرف ولا مقلب”.
دخل “عبد الحليم”، أيضًا، في أزمة مع المطربة “وردة الجزائرية”، بسبب غيرته منها، وخوفه من سيطرتها على ملحنه المفضل “بليغ حمدي”، ووصل حد غيرته منها إلى أنه غنى لها يوم زفافها على “بليغ”، قائلا: ” وابتدا.. ابتدا المشوار وآه يا خوفي من آخر المشوار آه يا خوفي”، وهو ما جعل “وردة” تفسر ذلك على أنه تنبوء من العندليب بعدم استمرار هذه الزيجة.
الأزمة الثالثة كانت مع “نجاة”، وكان سببها غيرة “عبد الحليم” من النجاح الذي حققته “نجاة” في أغنية “لا تكذبي”، حيث قام بغناء هذه الأغنية في إحدى حفلاته، وهو ما اعتبرته “نجاة” تعدٍ على حقوقها. شعر “عبد الحليم”، كذلك بالغيرة من الفنانة “فايزة أحمد”، بعدما سيطرت أغانيه على الساحة الغنائية عام 1957، ولم ينافسه أحد سوى “فايزة” بأغنيتها “اسمر يا اسمراني” والتي أدتها بصوتها في فيلمه “الوسادة الخالية”، وهو ما دفعه لإعادة تسجيل هذه الأغنية بصوته فتفوق عليها وأثار غضبها.
وبسبب حفلات شم النسيم، نشبت أزمة بينه وبين “فريد الأطرش”؛ حيث إن فريد قد تعاقد على إحيائها لكنه لظرفٍ ما اضطر للسفر إلى بيروت وتَغَيّب عن الحفل 4 سنوات متواصلة، أحيا “عبد الحليم” خلالهم هذا الحفل، إلى أن الأطرش وطالب بحقه في تقديم الحفل من جديد، وبالفعل تم التعاقد معه، مما أشعل الغيرة في قلب “حليم” ودخلا في خلاف نتج عنه تبادل التصريحات والاتهامات.
ضم “حليم”، المطرب “محمد رشدي” لقائمة أعدائه في الوسط الفني، بعدما زادت شعبيته وتخطت مبيعاته مبيعات “حليم”؛ فقرر الدخول معه في حرب باردة باستقطاب الشعراء والملحنين من “رشدي” كما أنه أجرى اتصالاته بمسئولين في الإذاعة لمنع “رشدي” من الغناء. أيضا تحولت علاقته بـ”محرم فؤاد”، إلى ما هو أشبه بالثأر، وبخاصة أن “محرم”، كان يحاول التقرب منه ويعتبره صديقه المقرب، وهو عكس ما كان يشعر به “حليم” نحو “محرم” وهو ما دفعه لمحاربته بشكل مباشر عن طريق السعي لتضييع فرص كثيرة من بينها أغنية “متى أشوفك”، التي عرضت على “محرم” في البداية ثم غناها “رشدي”، وهو بذلك تمكن من إشعال الحرب بين اثنين من أعدائه.
وتمثل الملمح الثاني، في الوجه الآخر للعندليب، في “الإجرام”، حيث إنه كان من الممكن أن يفعل أي شيء في سبيل تحقيق أهدافه، حتى وإن كان السبيل لذلك هو الوسائل غير الشرعية، والدليل على ذلك أنه لجأ لاختطاف الشاعر “عبد الرحمن الأبنودي”، بعدما حقق نجاحا كبيرا مع عدوه “محمد رشدي”.
وروى “الأبنودي” هذا الموقف، قائلا: إنه كان بصحبة رشدي وبليغ، ذات يوم، ووجد أمامه اثنين يرتديان بدلتين ونظارات سوداء ضخمة، طلبوا منه ركوب السيارة معهم. وظن “الابنودي” أنه معتقل لكنه فوجئ عند وصوله لأحد العمارات بحي الزمالك أن “العندليب” هو من اختطفه. وطلب “العندليب” منه كتابة اغنية بلغته تشبه الأغاني التي يكتبها لـ”رشدي”؛ فكتب له أغنية “التوبة” ولحنها له “بليغ حمدي”.
الملمح الثالث، تمثل في “الشك”، فشعور العندليب الدائم بالنقص، كان يدفعه للشعور بالشك في حب الجميع؛ حتى إنه عندما ارتبط بعلاقة عاطفية مع “سعاد حسني”، كان يرسل سائقه الخاص لمراقبتها وبخاصة أنها كانت كثيرة التردد على منزل “زهرة العلا”، وكان يرغب “حليم” في التعرف على من يجلس معها هناك. وفي هذا الشأن، يؤكد المقربون من “العندليب والسندريلا”، أن سبب إصراره على أن يكون زواجه منها بشكل سري هو خوفه على اهتزاز تعاطف الجمهور نحوه إذا تزوج، مشيرين إلى أن سبب انفصالهما هو شك العندليب الدائم بها ومطالبتها بترك العمل في الفن وهو ما رفضته السندريلا.
Leave a Reply