الإعلامية سميرة اوشانا
“كلوديا كتبت لي دور عمري…”
عندما اعترفت بهذا الامر الممثلة نادين راسي لي ذلك المساء في كواليس غرفتها حيث كانت تستريح قبل تصوير مشاهدها مع شقيقتها “ضحى” سارة ابي كنعان التي لا تشبهها ابداً، كانت على حق، نادين الراسي التي لعبت شخصية “ثريا” أستطاعت أن تمتص النجاح الساحق وتتربع على مرتبة “افضل ممثلة لبنانية لعام 2017 بكل ثقة، من هنا كان ردهاعن سؤال وجه لها في برنامجٍ تلفزيوني “بانها النجمة الاولى ” على الرغم من امتعاض البعض من هذا التصريح الذي اعتبروه غروراً، أنا أقول هي تستحق هذا اللقب.
“ما تخافي عليها، ثريا متلي قوية” هكذا رأى جوزف بو نصار هذا الممثل المارد، قوة آداء نادين وكأنه يقيّمها ويضع العلامة التي تستحقها فساواها بنفسه، ومن سواك بنفسه ما ظلمك، فماذا لو كانت النفس “تحفة فنية أو على الأصح أيقونة فنية ” في عالم التمثيل أي جوزف بو نصار وأنا المدمنة على مشاهدة أعماله راقبته جيداً بكل حركاته متوقعةً جديداً يجب تقديمه في هذه الشخصية المستفذة، فجاء ذلك في ختام المسلسل بحلقاته الاخيرة وهو الامبراطور الذي سقط، فكان سقوطه كبيراً، “البيك” الذي انهزم أمام ابنةٍ تحدته طوال 35 حلقة ليصلا معاً الى حالةٍ واحدة “الجنون” وغالباً ما تكون هذه حالة المتعجرفين الذين لا يعترفون لا بالضعف ولا بالهزيمة.
النجاح الذي شهده مسلسل “لونا” امتد الى “الشقيقتان” مع “التريو” أو على الاصح “الكواترو” كلوديا مرشاليان وسمير حبشي ونادين الراسي ومازن معضم بالاضافة الى ممثلين يأتمرون بتعليمات مخرج دقيق يهتم بالتفاصيل ويأبى الغلط، فلا مجال للاستلشاء مهما كانت الظروف ضاغطة.
نقاط القوة
تميّز هذا العمل بنقاط قوة عديدة أبرزها المشاهد التصويرية والكادرات التي حرص المخرج على ابتكار الاجواء الملائمة والسليمة لتنفيذ السيناريو بدقته، ونقل المشاهد الى داخل الرواية حيث تأثر كل واحدٍ بشخصية معينة وتعاطف معها.
القصة التي تلونت بمشاعر الضغينة والحقد والانتقام والحب والشغف والخيانة والوفاء… قال عنها البعض أنها مواضيع عامة ولا شيء جديد ابتكرته كلوديا هنا، والبعض الآخر رأى في هذا العمل أن الكاتبة نقلت المشاهد الى مجتمعٍ لا يشبه مجتمعنا فالانتقام عندنا مختلف في اسلوبه والحب في قريتنا يختلف تماماً. هذه الاجواء مشابهة لمسلسلات مكسيكية وتركية ولكن من المؤكد ليست لبنانية.
إلا ان مخرج العمل سمير جبشي الذي يعشق طبيعة لبنان وأجواء القرية وضوضاء المدينة حتى ولو كانت في الستينات، وفّر أجمل الاجواء للممثلين فكان ممنوع عليهم ألا يبدعوا.
ولكن،
على الرغم من انطباع النجاح الذي ساد هذا العمل،
وعلى الرغم من الصورة القاتمة في مجمل المشاهد، دلالة على (الحزن الدائم في كل الحكايا) الا أن هناك من تفوق على غيره وسجل ثنائياتٍ جديدة منها نجحت ومنها فشلت.
وعلى الرغم من موسيقى العمل التي جاءت ملائمة للاحداث عدا عن بعض ال exageration “التضخيم” في بعض المشاهد مثال على ذلك، الموسيقى التي رافقت الثلاثة (رولا حمادة وزينة مكي وسارة ابي كنعان، لدى تبلغهن أن والد حنان ضرب ابنته ضرباً مبرحاً) الموسيقى التي رافقتهن شعرت ان الاسطول الاميركي دخل المنطقة وأن حرباً ضروساً وقعت في البلد، هنا الموسيقى تفوقت على الحدث وكانت غير ملائمة للمشهد الذي هو عادي بالنسبة لوالد أهينت كرامته ويخاف على سمعة ابنته في تلك الحقبة الذتي كان من العادي جداً أن يضرب الوالد ابنته التي تسببت بفضيحة له في قرية صغيرة. عدا عن أغنية المسلسل المملة.
طبعاً بالاضافة الى الثنائي الناجح نادين الراسي ومازن معضم، الذي استمر ولو منفصلين هناك الثنائي جوزف بو نصار مع الزوجة المنفية نهلا داوود التي باتت الرقم الصعب في الادوار التي تتطلب جهداً جسدياً ونفسياً.
كذلك جوي هاني ونيكولا مزهر، كانا رائعين، مع كل المخاض الذي رافق علاقتهما الا انها انتهت بنهاية سعيدة، وقد نجحا في ذلك، والكاست كان موفقاً. وتوقعات حبشي لكليهما بمستقبلٍ فنيٍ ناجح صائية.
بدورها، سيرينا الشامي التي بات يلمع اسمها كممثلة بدرجة متفوقة، أتقنت تمثيل دور المرأة التي تتحول الى مراهقة عندما تغرم برجل، فبدت كفراشةٍ مع أحلامها معلقةً كل آمالها برجلٍ حياتها لتنصدم فيما بعد بسقوط حلمها ويقظتها للواقع الذي يفرض عليها الاهتمام بطفلها وبصحتها. فشكلت مع باسم مغنية ثنائياً لطيفاً. والكامستري بينهما كانت مرتفعة، فنجحا ايضاً في تجسيد علاقة غرامية غير متينة اهتزت أمام أول تجربة.
إلا أن شخصية “ضحى” التي لعبتها سارة أبي كنعان والتي رأيت فيها شخصية باهتة لا نكهة لها ولا لون، لم تكن ابنة بسيطة أو طيبة بدورها ارادت أن تؤذي والدها ولو عن غير قصد حين سرقت مجوهرات عمره وماله لتسافر الى بلد مجهول وتختفي، ولم تكن شابة مثالية لانها تماماً كوالدتها سرقت حبيب غيرها من أحضان حبيبته، وعلى الرغم من ذلك، لم تشكل ثنائياً ناجحاً مع باسم مغنية، على الرغم من الاجواء الرومانسية التي وفرّها المخرج لكليهما.
أما رولا حمادة صيادة السمك، التي بدت على الرغم من ظروف حياتها القاسية أنها تتحلى بالحكمة والثقافة والفكر، حتى أنها تفوقت على ثقافة أثرياء وأدباء عصرها، ( هكذا بدت في سيناريو كلوديا) لعبت بكل عفوية دور “زيون” الام التي ربت اولادها على القيّم الانسانية والاخلاقية والتي تخاف على اولادها. استطاعت أن تبرز الجانب القوي من الشخصية حيناً، حين تحملت نتيجة أخطاء اولادها والضعيف أحياناً في لحظات وحدتها لا سيما وهي تتحدث الى صورة زوجها الذي غادرها تاركاً لها مسؤولية 3 اولاد، حالة نساء كثيرات في كل الأزمنة.
رندة الاسمر، تلك المرأة التي يوحي ظاهرها بالقوة والجبروت الا أنها ضعيفة وجبانة أمضت حياتها شقيقة مطيعة لاوامر أخٍ ظالم ومجنون. كنت أفضل أن يكون دورها أكثر فعالاً ومشاهدها تتنوع ولا تنحسر فقط بالعشاء وفنجان سخن والجلوس في الصالون تخفف وطأة المصائب التي لا تنتهي على أفراد العائلة المهتزة…
نقاط الضعف غائبة:
في هذا العمل بالذات نستطيع أن نقول أن الدراما اللبنانية قفزت قفزةً عالية بشكلٍ عام، مع بعض الملاحظات من ناحية السيناريو الذي لم أجده مقنعاً في بعض الحوارات، فالممثلون جميعهم تقريباً مع بعض التحفظ لبعض الاسماء التي لا تقنعني شخصياً تمثيلياً، إلا أن بمقابل ذلك، هناك ممثلون خطيرون سيهزون عرش الدراما العربية وسيجلسون على كرسيها بكل ثقة: بدءًا من نادين الراسي الذي أعاد هذا العمل مجدها الدرامي بعد أن تراجع قليلاً لدى مشاركتها في بعض الاعمال العربية المشتركة التي لم تنل النجاح المطلوب، كذلك، جوزف بو نصار الذي أحتار بوصفه لانني مغرمة بآدائه التمثيلي المخيف، كذلك رلى حمادة التي رأيت نفسي فيها من ناحية خوفها على اولادها والاحتفاظ بهم لدرجة الاحتكار والامتلاك والتفهم لمشاعرهم في كل الحالات حتى السرقة منها في حالة ابنتها “شادية” التي لعبت الدور زينة مكي وكانت طريفة بدور الابنة المشاغبة ، كذلك ماري أبي جريس التي منذ مشاركتها في مسلسل “اماليا” أظهرت أنها ممثلة عفوية وغير متصنعة، الى جمال حمدان بدور والد مازن معضم الخائف على مستقبل ابنه الوحيد، وحسان مراد الذي سبق ولعب الدور نفسه مع اليسار حموش في مسلسل “اماليا”، ربما لنجاحهما الساحق سوياً لم يشأ المخرج المجازفة واختبار شخصين آخرين لهذا الدور، لان كليهما لعبا جيداً وتفوقا، وايضاً طوني مهنا الاب الخائف على سمعة ابنتيه.
ختامها سراب
غالباً ما يسمح المخرج لنفسه أن يضع النهايات كما يريدها وطبعًا بالاتفاق مع الكاتب، هنا شعرت أن المخرج أراد أن تكون النهاية مختلفة، نهاية سوداء تماماً كما كانت تردد “:ثريا” قائلة “انا سودا كتير من جوا” أو كأنه أراد أن يخلط بين أجواء آغانا كريستي وهيتشكوك ليضع لمسة اخراجية استوحاها من المسلسل الذي نفذه منذ سنتين “ابرياء ولكن”.
في هذا العمل، مشاهد كثيرة لفتتني، منها مشاهد التعذيب في المخفر لدى المحقق ومنها: مشهد باسم مغنية لدى غرق رأسه في برميل ماء، وكذلك مشهد حسّان مراد حين أرادوا تعذيبه بغية الاعتراف بجريمته علماً انه كان قد اعترف، وهنا استغربت لماذا اللجوء الى التعذيب ما دام القاتل كان قد اعترف بجريمته. وكأن المخرج أراد أن يذكر المشاهدين بفيلمه السينمائي “دخان بلا نار” ليقول لهم لا تنسوا “أنني مخرج سينمائي”.
أما المشاهد اللافتة فكانت بمعظمها لنادين الراسي وجوزف بو نصار وشخصياً اعتبرت أنهما بطلا هذا العمل.
فمشهد “ثريا” وهي تشرب القهوة قرب قبر امها رافقه مشهد والدتها في بيتها المنعزل والبعيد مع حركةٍ لنادين عبرّت فيها عن فرحتها وكأنها تتساير مع والدتها البعيدة. (ابتكار وخلق)
كذلك مشهد نادين الراسي وهي تضع يديها على عنق شقيقتها “ضحى” التي لعبت دورها سارة ابي كنعان، هنا من غير المقبول عدم الاعتراف بابتكار وحرفية المخرج ونقول أنه مخرج خلاّق، حيث سمح لنادين أن تعبّر عن مشاعر الحقد والانتقام والمودة في لحظةٍ واحدة.
أما مشاهد جوزف بو نصار فعديدة ومنها، عندما يصرخ “ثريا” بعد كشف خطتها التي أدت الى هروب شقيقتها بصوته الجهوري، ومشهد الضعف والقوة لدى دخوله السجن والاعتراف بضعفه على الرغم من القوة الفاسدة التي كان يتحلى بها.
المشهد الاخير:
في العام 2016 سكنت الساحرة القصر وبقيت روح الام المنتقلة الى الابنة حية داخل جدرانه، القصر الذي يحذّر أهل الحي من الاقتراب منه، ويخاف أطفال الحي اللعب داخل حديقته والتسلق على أبوابه ممنوع، لان الزجاج انكسر والاولاد هربوا، والمخرج سمير حبشي بقي شاهداً على ما فعلته ثريا أمام باب غرفة امها في ذلك الاوتيل وفي قصر والدتها الذي حرمت منه.
“الشقيقتان” دخل سجل الدراما اللبنانية غير العادية.
Leave a Reply