مر المستعمر عبر زمانه بكثير من مراحل تطور طرق استعماره لبلاد يستغل خيراتها، ويتحكم بشعوبها كما يشتهي، ويتفوق في استغلال الحقد الكامن بين شعوبها واطيافها دينياً وطائفياً وعائلياً وربما في كل حي ومنزل، والعامل الوحيد الذي دأب عليه هو تصديه للمقاومة إن وقعت، وإغتياله لمن يرفضه، وتشويه الثقافة، وتزوير الحقائق والتاريخ، وإعطاء المال لمن يجدهم عبيده، وتكريث الزعامة لمن يعمل عميلاً لديه ضد بلاده وشعبه، وهذه الأخيرة توارثت من الجد إلى الحفيد وحفيد الحفيد مع فجور في الوطنية خاصة في بلادنا، وبالعادة الاستعمار لا يتدخل بدكتاتورية النظام إذا كان يسرق خيرات بلاده! بدأ ذاك المستعمر على صعيد ضيق من خلال حدود مغارته، ومن ثم طمعه بمغارة شقيقه، واستخدم عضلاته فكان إيمانه بشريعة الغاب، وكلما استقرت أموره كان يتلهى بإختراع حكاية ما يخدر من خلالها زمره التي أصبحت فيما بعد الشعب، والاختراع كان البحث عن معابد تحتوي على الهتهم المصنوعة من تمر وخشب وحجر، ويأمر الناس بالتوسل إليها وتقديم أثمن ما يملكونه لها، وقد وصلت هذه الخديعة إلى كل زمان حتى استمرت أصنام الجاهلية لتكون أصنام اليوم!
قيد الاستعمار شعوبه بعبادة ألاصنام، واستغل جماعاته باختراع الدين، ونصب نواطير للديم حيث يزينون أفعال المستعمر، ويبررون فعل الجرائم والقتل وسفك الدماء، والاغتيالات! وتوسع خيال هذا المستعمر كلما كبر جبروته، وعلم بمساحات غيره، وسخر عبادة ما اخترعه من كهنة ورجال اصنامه كي يحثوا شعوبها على محاربة الأخرين ليحصل على ثرواتهم، ويجعلهم عباده، وقد لعب اللهو والاغتصاب، والقتل العشوائي للأبرياء مساحة في كل حرب قادها وخاضها الاستعمار!
وحتى يستمر بفعلته الإجرامية كلما ضاقت بلاده في الاقتصاد، قرر تحت لواء “يجب أن نعيش على حساب خيرات غيرنا، وشرع الحروب على من يمتلك الثروات” قرر تجهيز ما أمكن من جيوش وشن الغزوات، وبعض هذا الاستعمار يتغنى بما لدية من كذبة الحضارات، فمن لديه حضارة لا يعمل على قتل الشعوب، ولا يحتل ارضها، ويسرق خيراتها…وهذا الحال يتكرر في كل زمان مع كل مستعمر فقط تختلف الابتسامة السامة، والتي يصدقها أهل الحقد وربيبة الخيانة، ورق العبودية للعمالة ضد أهله!
ومن إجل أن يبقى على جبروته في استعمار البلاد والعباد أخذ يسرق علوم غيره، ويحرق كتبهم، ويبني أينما حل المدن والإقلاع التي لم يبقى منها غير الحجر للدلالة على احتلاله، واستعماره، وإجرامه!
ربما هنا لا نحتاج إلى دلائل فالتاريخ لا يتسع لإستعمار يقال عنه حضارات مهما تغنى خبراء التاريخ بتلميع الاستعمار بوهم الحضارات القديمة! هذا المستعمر المدعي بحضاراته الكذبة، فكر ملياً وخاض حروب كثيرة اعتمد فيها على احتلال البلاد، وفرض على أهلها الضرائب بعد أن شوه لغتها، وعلومها، ودينها حتى لو كان هو من ذات الديانة!
وقد يستمر المستعمر طويلاً في البلاد التي يستعملها ويستحمرها من خلال استغلاله للدين إلى أن يسلط الرحمن عليه ما هو شبيهه في الاستعمار، وتبقى ويلات الشعوب المستعمرة تبحث عن نافذة تتعرف من خلالها على الشمس أو تستقبل منها المستعمر الجديد!
فكر المستعمر ملياً بعد أن مزق المجتمع من الداخل، وزرع في الدين الطوائف، وفرز في كل طائفة عصابة من المذاهب، ومن كل مذهب أوجد له الموظف الخائن برتبة زعيم!
ومرت الأيام التي طالت، وتصالحت بعض الشعوب مع المستعمر إلى أن أشرقت حكايات صناعة الكتب الموجهة حيث سطر في داخلها فكرة “الاستقلال”، وقد تفهم المستعمر لهذه الكلمة، وقرأها جيداً، وزرع من خلالها مساحات في بلادنا حسب ما اوجد فيها نقاط الضعف، مساحة اعطاها الاستقلال بعد أن جعل دينها أفيونها، ومساحة وضع فيها عصابة من جلدته طالباً منها أن تستغل دين أو طوائف تلك المساحة، ومساحة اغرقها بكذبة الحرية خارج العقيدة وضمن الجنس والمتعة والتكاثر وكذبة إنهم حضارة وغيرهم خمارة، علماً الحضارة لا تنتظر الشعوب، وعلى الشعوب مواكبة الحضارة وتطويرها…!
وكم من شعوب تتغنى بماضيها وهي اليوم قمة في التخلف والجهل، وتعتبر حضارة ما قبل الحضارات كإنها تنتمي إلى الفكر المتحجر لكثرة ما تتغنى بالماضي وحاضرها من ماضيها براء! اطمئن المستعمر إلى ما زرع، وسكن في بلاده ضمن حدود رسمت كما يشتهي، وابتدع السفارات لتأخذ الفدية عبر تقاريرها، وكي يستمر في زرع الفتن من خلال فتح ملفاته وكتاباته لتاريخ بلاد استغلها، ونثر كتب هنا وهناك متنطحاً بالحرية التي يتمتع بها ونحن لا زلنا نخاف من الحرف والكتاب، هنا المستعمر حدد في كتبه ودبلوماسيته طبيعة من استعمرهم فاستحمرهم، لذلك هو لم يعد يحتاج إلى احتلال بلاد غيره من خلال جيوشه، بل ترك لهذه الشعوب المتناحرة فيما بينها على قطعة ارض، وتُكفر بعضها في الدين الواحد، والجدال على لون الهواء، نعم ترك المستعمر لهؤلاء نعمة العيش في الخصام والشك الدائم والتكاثر، واسلوب المؤامرة المستمرة، ونصب الرئيس والملك التابع، وفوضه بزرع التفرقة بالدين بالحزب بالمجتمع بالبيئة، ومنهم تركهم للتخف الواضح في العبادة والتقاليد والعادات والتفرقة بين الرجل والمرأة، لا بل حرمهم من نعمة الفنون إلى أن طلب منهم الانفتاح العشوائي حتى يزيد في تخديرهم، وبذلك يستمروا بالمحافظة على الجهل المعاق…تركهم في سجن استعماره واستعماله لهم باستمرار!
لم يعد المستعمر ليمارس احتلال البلاد ما دام هو يتفوق في احتلال العقول، وحينما تحتل العقل تسيطر على البلاد وشعوبها بما حملت، وتصنع لها خصاماتها وحروبها، وتتحكم باديانها وطوائفها واحزابها وأحوال المثقفين فيها …وهنا من السهولة أن يزرع أسماء ثقافية حلوة اللسان وفارغة الانتماء بحجة التنوير، وتبني القلاع الإعلامية لتكون واجهة لحروب المستعمر المقبلة والتي ستتحكم بعقول من في الشارع…وثورات شوارعنا محكومة من سفارات ذاك المستعمر الذي بدأ بين شخصين أحدهم برر قتل الثاني، والثاني حاول افتراس الأول وقيل أن ذاك كان فجر ولادة الخط العمودي لفكرة المستعمر!
لا يحق لنا أن ننتقد المستعمر بإستمرار، فهو يقوم بما يخدم مصالحه بإتقان، ويعتمد على ما لدينا من تعصب أوجد الجهل، ومن تزمت بالدين حيث صنعت العنصرية الطائفية التي تكفر غيرها وصولاً إلى عنصرية القطيع حتى لو كان حكامها فاسداً وخائناً ومجرماً!
ويعتمد المستعمر على ما لدينا من خنوع في فهم الحرية، وبأن الحرية مطلقة مع إننها قيد ومسؤولية تنتهي عند حدود حرية الآخرين، وهذا ما لا ندركه بعد!
ويعتمد الاستعمار أيضاً على الحقد المزروع بداخلنا وعمره سنوات عجاف طالت بما حملت من تاريخ زور لينسجم مع كذبة المواطنية المشوهة، وأنه يحق لي العيش وشريك يحق له الزوال!
كل هذا ساهم في أن يعيش بيننا المستعمر بسهولة كلما اتسعت نافذة الطائفة أو القبيلة أو الزعيم!
كيف نقضي على المستعمر الموجود في بلادنا وكتبنا وادياننا التي نمارسها بأفعالنا خارج كتبها، ويبررها مثقف الغفلة المحتاج دائماً، والمقلد لثقافات غيره دون أن يكتسبها، وهو شريك الظالم، ويفاخر بسموم الطوائف في مذهبية كل طائفة وحتى إنها وصلت إلى الاحزاب؟!
كيف سنرفع مستوى الوعي وغالبيتنا يعتبر العميل هو البطل والمقاوم وعمالته وجهة نظر، والمقاوم البطل يسجن ويخون لكونه يصر أن يبقى المفعول به، ولا يطالب بحقه من شريكه، ولا يقرر أن يكون هو الفاعل؟!
وحتى نقضي على فكرة المستعمر، وعلى المُستعمر لا بد من التحرر لفكرة الخنوع الموجود في داخلنا، ووجب الإيمان بالمقاومة لشهواتنا، ولحقدنا، ورفض كل من يطلب منا اغتيال صورنا وأهلنا. كما لا بد من أن تحكم المقاومة إذا انتصرت لا أن تشارك الظالم في ظلمه بحجة إنها “إم العروس”، وان هي الأكثر حفاظاً على السلم الأهلي المفقود في بلاد سلمها الأهلي في السفارات التي كانت ولا تزال المستعمر، وهذا الحال وللأسف يضطرها لأن تشارك من هو أدوات المستعمر منذ جده الأول وشقيقه حينما تصارعا داخل المغارة على حساب الوطن …ويستمرون بالولادة، ودولنا تحصد ما زرع فيها!
Leave a Reply