تشكل اليوم المذيعة الصوت السحري هيام حموي حالة من خميرة العمر، ومن عمق التجربة، ومن حالة عشق لا تعرف الأفول…
المذيعة التي شغلت مسامعنا هي أيقونة العمل الإذاعي من الألف إلى الياء، ومع كل تقنيات العمل، وانقلابات صفحات الزمن الإذاعي تواجدها إلى الآن بصمة نعتز بها، ومع كل تكنولوجيا العصر هي كلاسيكية التفوق، ومع كل العمر هي طفلة مشاكسة ضاحكة تسبح مع اوجاعها إلى ظل الفكرة كي تصبح حركة من صناعة واقعية مع ابتسامة لا تغيب عنها الشمس.
هيام حموي صناعة سورية بعمق، شامية بالعطاء وعربية بأناقة التواصل، وغربة باريسية أصبحت غرفة للذكريات التي ناطحت لأجلها العالم، فكانت بالنسبة لنا هي كل عالم السمع الإذاعة، وحبها لبيروت يسكنها ولا تعرف السبب، وربما لإدمانها جارة القمر فيروز، ولدهشتها بكل ما كانت عليه الاسطورة صباح!
لا نبالغ إذا حسمنا القول بأننا نعشق الكلام حينما نسمعها، ونتغزل بالصوت وهي ترافقنا في أمنياتنا وامسياته خاصة الصباحية والمسائية كما لو كنا ننتظر حلوايات العيد، ومساحة من فرصة كي نحلم!
ومع كل فجر إذاعي نسبح مع نبرات نغمات صوتها حيث السحر، حيث فخامة الصوت، حيث إبنة سورية المناضلة إعلامياً وحياتياً هيام حموي!
لا أرغب بالحديث عن تقنيات هيام في استخدام سلاحها الإعلامي وزخيرتها الصوت، يكفي الإشارة بعد هذا الكم من العمر، وهذه التجربة المتعبة التي تحملها، وهذه العلاقة الروحية مع المذياع مهمتها مهنتها أن هيام حتى الآن تحلم وترغب وتنتظر فرصة ما…
هيام حينما تقرر أن تزين مسامعنا تشعر هي كأنها بدأت الآن، قلقة، خائفة، تنتظر الأفضل، لذلك هي دائماً جاهزة وخلف الإعداد المتقن، وتعرف فقراتها جيداً، وإن ارتجلت الموضوع الضحكة تفرضهما فرضاً لمعرفتها ماذا فعلت وتفعل وستفعل دون أن تزعج المستمع!
تحضر حلقتها جيداً، ولا تضيف عشوائياً، بل الاضافة تليق بما تطرح، وهذا بعض من سر سحرها… هيام طفلة أمام رغبة المكروفون حيث ينتعش بعد سماع أول همسات دفء صوتها، هو ألة تذوب فكيف نحن!
تدرك هيام بأن زمن إعلامها تغير، ونحن في زمن الفوضى الإعلامية المنفصلة والمنفصمة عن الإعلام الحقيقي خاصة في السنوات الأخيرة، أي أن بحر السوشال ميديا يختلف كلياً عن نهر الإعلام، السوشال كذبة الإعلام وقد يدمر، والإعلام هو سم إما يشفي أو يقتل، وهذه الناحية تدركها جيداً هيام التي لم تقع في وحل هذه المرحلة رغم استمراريتها في العمل الإذاعي!
كانت هيام تحلم بأن تكون سفيرة في السلك الدبلوماسي، فكانت سفيرة الصوت السوري العربي السحري الخارق للسمع بعذوبة قوة الحضور، صحيح الموهبة لا تكفي فكانت المكتبة – العلاقات المتينة – الصداقة الصافية والواضحة، اقصد مدمنة قراءة واطلاع ولغة عربية، وشبكة علاقات هنا وهناك دون تجريح وتطفل، وصداقاتها تبنيها دون مصلحة ذاتية بل بذرة في خدمة الإعلام السمعي!
الضحكة عند هيام مفتاح الحضور، وهي من مفاتيح سحرها، وضحكتها رغم الامها نغمة في الموسيقي، ورنين يدغدغ ضربات القلب، ومع أن هيام شخصية خجولة، وتستحي جداً، وتربك من الكلام الجميل أو المجاملات، إلا أن ما تتمتع به من تهذيب يزيدها تألقاً وتواضعاً ومحبة!
مرتبطة بالمكان حتى النخاع، ومجنونة الظل حتى الصداقة، تلعب مع أوراق الشجر في كل الفصول، وتصر أن تناقش كل فصل على حدى حتى أصبحت هي فصول من ذهب كل فصل!
تعشق سوريا بجنون الأمومة مع إنها لم تتزوج غير المذياع، وحينما تكالبت الدنيا على ذهب التاريخ عادت هيام لتلملم جراح الوطن دون أن تفتعل خيانة حبة من تراب الوطن كما فعل غيرها!
هي مدمنة حلب، والشهباء شقيقتها في القيمة والعشق، وحبيبتها دمشق كما هي مع الياسمين أو من دونها، ولا تعرف غدر دمشق بالمطلق، وتتنفس باريس بلغتها وتاريخها، وعماراتها القديمة لا بل لا تعرف الشهيق والزفير إلا إذا وقفت قرب نافذتها الباريسية لتتحاور مع الظل في حياة أصبحت ظلاً!
من إذاعة دمشق القسم الفرنسي الانطلاقة والشَعر الطويل، والثوب الأسود، وأحلام تعانق السماء، ومن ثم إذاعة “مونت كارلو” من باريس مع صحبة زمالة حالات حب وغرام وأناقة التصرف والمكان وتجربة مغايرة كونت المزيد من الإدراك اوصلها مهنياً إلى هنا وهناك، وتغيير محطات ومكاتب وأمكنة وإدارات وحقد وغيرة وصراعات من أجل الإعلام…
فكانت هيام خميرة لكل من يرغب بأن يتعلم الإعلام الناطق…
واليوم هيام تصدح في إذاعة المحبة إذاعة الوطن إذاعة “شام إف ام ” لتغازل كل الشارع السوري بكل تناقضاته، وما اصابه من حدة جراء الحرب الكونية عليه…والشارع السوري مجمع على قيمة صوت موهبة تعب هيام حموي، وهيام متصالحة مع حالها وأحوالها!
هيام حموي اليوم رأي خبرة، وخبرة في رأي، وسفنجة تمتص كل ما حولها من غضب وحقد وتأمر وغدر وحب ودلال … كانت هكذا فاكتشفته، واكتسبت هذا فعانقته، وتصالحت مع هذا فكانت هيام حموي بكل التناقضات والسلام والمحبة، وأخذ القرار بالانفصال إلا من الإذاعة، وحتى الآن لم تشبع هيام من الراديو، و أكثر من 40 سنة جهود مضنية، سفر، مؤتمرات، ذاكرة، ارشيف، وأرشيف هيام في أي مكان تحل فيه مخيف، تحمله معها أينما تسقط في ربوع الإذاعات، تجعل من أرشيفها المخيف ورودها، أرشيفها أعمق من مدينة، أرشيفها حالة من شعوب في حوزتها، وكم حاورت من كبار في القيمة والعلم، واصبحوا في حوزتها مختبرها وثائقيات جمعهتها دون أن تدري وبهدوء، لا بل تعتبر وثائقيات هيام مرحلة حساسة وجب الحفاظ عليها في متحف خاص، وأنا، كاتب هذه السطور دهشت حينما شاهدت القليل القليل مما لديها!
في زمن اختلاف الإذاعة بطريقة الحضور لا شك أمثال هيام حموي بما قدمت، بما تحمل، بما لديها من سحر الموهبة التجربة الطفولة المتبقية لها رغم العمر وجب رفع القبعة احتراماً للمسيرة، وللإستمرام رغم اختلاف الاجيال والظروف والأمكنة والوجوه…
وشو صعب المشوار اليوم والذي كان! حان الآن كتابة التجربة المذكرات يا هيام حموي قبل أن تهجرنا الذاكرة في خلسة الحياة العمر الهيام! حان الآن يا سوريا النظام الدولة المجتمع النوادي المراكز الثقافية تكريم القيمة الإعلامية الذهبية هيام حموي حتى يقال أن سورية تعرف قيمة المبدعين فيها وما أكثرهم رغم ما تعانية من مشاكل!
حان الآن إعلان جائزة تحمل إسم هيام حموي…
Leave a Reply