# كوابيس اليأس تولّدت من المهرولين إلى السلام القاتل!
# الدم الفلسطيني يغمر وجه التاريخ ويشهد علينا بأننا أقصر قامة من هذا العملاق!
# أرى في الحرب تحريراً والدولة العبرية ستنحل وتتناثر في سلة مهملات التاريخ
# سنغرق في دموع حزن الانتظار حتى نعرف كيفية التعامل مع الصبر!
# الرسم لي أنا واللون حالة خاصة هرباً من انتمائي للبحر الذي يفيض ولا أجد الشاطئ!
# “أم مبارك” أغلى الأسماء التي أحملها ولا اعترف بثقافة تلغي دور الأم
# من دون الشعر نصبح مشهداً جنائزياً والحالة الثقافية العربية محبطة وضائعة
…. تطوي صفحات الأيام ولا تزال سيدة المكان في وعيها وترتيب أفكارها وحضورها الثاقب…
تشرق الشمس يومياً ولا يزال قلبها مفعماً بنور العطاء والتميز…
تتصارع الحكايات والظروف في العرب وهي ناطقة اللون، متصالحة مع الحرف، وغنية بالانتماء، ولا تعرف ان يغادر الصديق من ذاكرتها…وذاكرتها مليئة بأسرار تُدرك قيمتها، وقضايا تُدرك مجابهتها، وصور فيها المواقف والحسم…هي الشاعرة الأديبة والتشكيلية الدكتورة الشيخة سعاد الصباح، إبنة العباءة الكويتية المطرزة براية من لؤلؤ التعب والصبر والبحر والمواجهة…
في هذا الحوار زرعت جرأة الشاعرة، ووضوح الكاتبة، وسيف المواجهة، ومشلغبة الألوان، وكانت مرنة في استيعاب الآخر، وتقبض على جمر الحقائق التي باحت بها صافعة، ووضعت النقاط على حروف اسئلة لا بد منها لزمن تتوه منه المعاني، فكانت ردودها عبر الزمان والمكان لهذه المرحلة الحساسة في تاريخ أوطاننا وإنسانا وأرضنا والمثقف فينا وحولنا ودورنا والعرب، وزرعتها في سجل من ذهب على أمل ان نستفيد من فكرها التنويري وردودها المغلفة بالموقف وسهم الحقائق…
إنها الشاعرة قبل أي لقب سعاد الصباح إبنة الأصول والبوح المسؤول…وهذا نص الحوار:
أجرى الحوار // جهاد أيوب
* لماذا صوت المثقف العربي اليوم يعيش الغياب الكلي في هذه المرحلة، وبخاصة في قضية الإبادة الفلسطينية في غزة؟
– الثقافة وحدها لا تكفي.. يجب أن ترتبط بالأخلاق كي تأخذ شكلها الإيجابي الفاعل. الثقافة مثلها مثل أي سلاح.. عندما تكون في يد طاغية أو يد ثائر، فإذا زاحمت الأخلاقُ الثقافة في روح المثقف فلا يمكن أن يقف مع القبح ضد الجمال، أو مع الاستبداد ضد حرية العلم، أو مع الطغيان ضد العدالة، أو مع المسدس ضد الكلمة والقصيدة والأغنية.
وحين يتنكر المثقف لقيم الثقافة الأخلاقية، ويتخلى عن شرف رسالتها فإنه يخون أمانة الكلمة.. وينفصل عن واقعه وبيئته، وعند ذلك يكون قد حكم على نفسه بالنفي.. أو بالموت البطيء.
▪︎ واقع الثقافة والمثقف
* ألا تزال القضية الفلسطينية تشغل المثقف العربي، وهل المثقف العربي لم يعد يؤمن بحقوق المظلومين؟
– القضية الفلسطينية تشغل كل من له ضمير حي، كل إنسان يحترم إنسانيته، سواء كان مثقفاً أو أُمّياً.. الإنسانية التي لا يشغلها صراخ الأموات وبكاء الأطفال ودماء الأبرياء.. كذبة على هامش التاريخ.
* وكيف تنظرين اليوم إلى فعل المقاومة ضد المحتل وأنتم في الكويت عشتم الاحتلال الظالم؟
– الدم الفلسطيني الذي يغمر وجه التاريخ يشهد علينا جميعاً بأننا أقصر قامة من هذا العملاق الذي ينتفض على تراب فلسطين. أقول هذا رغم كوابيس اليأس التي تولّدت بفعل المهرولين إلى السلام القاتل. إني أرى في الحرب تحريراً، كما أرى في السلم الحقيقي الذي يولد بقرار شجاع ومدروس ومبني على العلم وقائم في مجتمعات ديمقراطية حرة ومسؤولة تحريراً. إن الدولة العبرية في فلسطين ليست استثناء في التاريخ، وسيأتي يوم تتحلل فيه وتضيع وتتناثر في سلة مهملات التاريخ مثل الغبار.
إننا نرى الذبح المجاني الذي يفعله الصهاينة في غزة أمام أنظار العالم، وفي الوقت ذاته نرى الصمود الذي يعلّم التاريخ دروس العزة والقوة والإصرار والإيمان.
▪︎ التغريب
* نجد اليوم ذهاب المثقف العربي إلى تقليد الغرب أكثر من البحث عن الذات، لماذا؟ وكيف تجدين واقع الثقافة العربية من خلال المثقف العربي؟
– إذا عرفنا كيف نتعامل مع العصر، وأمسكنا بأدوات حروبه وسلامه وأولها العلم وحرية الفكر.. فسنكون في أجمل واقع.. وحتى ذلك اليوم سنغرق في دموع حزن الانتظار.
المشهد الثقافي العربي مرآة الإنسان العربي، وهو محبط وضائع.. فالبوصلة الثقافية مكسورة، والأوطان يكسوها الضباب.
* وكيف الخروج؟
– المشهد الثقافي يريد أن يخرج إلى الضوء ليصرخ بهمومه دون خوف.. هذا كل ما يريده، ولأن المثقف مسؤول عن تفجير الأمل والفرح في صدر أمته.. فلا بدّ أن يخترع الفجر في هذه العتمة، وأن يزرع الورد في الأرض الخراب.
الثقافة وعي ومسؤولية، لكن الثقافة وحدها لا تكفي، يجب أن يكون هناك التزام يوجه هذه الثقافة ويجعل المثقف يقف في صف الحق، ويدافع عن القضايا النبيلة.. المثقف إذا حاد عن الحق أصبح محامي الشيطان.
▪︎ المنظومة والشعر
* ما قضية المثقف العربي اليوم، وهل هو نخبوي أو ابن صوت الحق المؤثر؟ وما مدى تأثير النظام أو سياسة النظام على المثقف العربي؟
– المثقف جزء من المنظومة العامة يؤثر ويتأثر.. لكن مسؤوليته أكبر.. أكبر من أن يكتفي بالالتزام بالمبادئ فقط.. عليه أن يمارس دوره في توجيه الآخرين ليثبتوا على الحق.
* وهل يتحمل المثقف العربي مسؤولية ما وصل إليه الشارع العربي من تخدير وعدم المطالبة بحقوقه؟
– المثقف سلطته الكلمة.. لكن الهراوة أقوى منه، ماذا تفعل الكلمة أمام الدبابة.. ؟وماذا تفعل القصيدة أمام البراميل المتفجّرة التي تسقط على رؤوس الناس..؟… الشتات الذي يقود الشارع.
* ألا يزال الشعر ديوان العرب في ظل عصر التكنولوجيا أو التواصل الاجتماعي الحديث؟
– سيظل الشعر صوتنا الحقيقي في كل الأوقات.. منبرنا الأقوى، لغتنا العالية، تراثنا الأصيل. الشعر ليس تقريراً إخبارياً وإن لم يكن بمقدوره تغيير الواقع.. فيمكنه أن يخلق لنا واقعاً آخر.. لأن أجمل ما يفعله هو أن يأخذنا إلى منطقة آمنة من الإحساس.. ويعيد لهم حقهم بالحلم.
▪︎الذات الإبداعية
* أين الشاعرة والتشكيلية الدكتورة سعاد الصباح من دورها في الوعي؟
– اللون والريشة حالة خاصة أعيشها مع نفسي.. هرباً من الهموم والانتماء للبحر الذي يفيض بداخلي ولا أجد له شاطئاً سوى اللوحة.
وتشكيل الوعي أو على الأقل المساهمة في تشكيله كان دوري فيه من خلال الشعر والنثر ودار النشر ودعم المبدعين وتبني الأعمال الثقافية وإقامة المهرجانات التشكيلية ورصد جوائز للمبدعين في مجالات الرسم صغاراً وكباراً، أما الرسم فلي أنا.. لوحتي هي أنا، لوني.. فهو شأني الخاص جداً.
* ألا يزال الشعر صوتك في هذه المرحلة الحرجة من وجود الأمة؟
– بلى سيظل الشعر هو الصوت الأعلى في كل الأوقات.. لأنه يقف على منبر لغتنا العربية وتراثنا الأصيل.. إنه السؤال المدبّب.. ربّ الفنون كلها.. كان انحيازي إلى قلقه دائماً. العالــَم بلا شِعـر.. مشهــد جنائــزي!
* وهل تبررين انزواء المثقف بحجة النخبوية واختلافه عن العامة؟
– لكل مثقف ظروفه الخاصة، لكني أرى الثقافة فعل التغيير.. والتغيير لا يتم إلا بخوض معترك الحياة.
* نجد الكثير من مهرجانات الشعر، ولكن لا نجد الشِّعر بل إن الشعراء أكثر من المطربين حالياً.. ما سبب ذلك؟
– مازلت أراهن على جيل الشباب، هناك ورود كثيرة في الطريق أسمع أنفاسها، علينا فقط أن نفهم أحاسيس الورد.
▪︎الأمومة والأحلام
* أيهما غلب على الأديبة سعاد الصباح الأمومة أم الإبداع؟
– كانت الأمومة دوماً أولى أولوياتي وأهم مشاغلي.. وأسمى إنجازاتي، فأنا لا أعترف بثقافة تلغي دور الأم. ومحاولة إخراج المرأة من أمومتها، أو تشجيع تمردها على أمومتها هما من وسائل قتل أنوثتها.. ومحاولة أكيدة لشيطنتها.
ولم يكن همي -ولا دَوري- أن يصل الأبناء إلى أي موقع وصلوا أو قد يصلون إليه، لكن الأمومة عندي هي الهمّ الأول والأكبر. وقد حملت، على مدى السنوات التي امتدت من عمري كأم، هذه المسؤولية بكل ما تتطلبه من تحدٍّ وجدّية والتزام، ومازالت أفعل والحمد لله. وسوف أبقى الأم، وسوف يظل “أم مبارك” هو أغلى الأسماء التي أحملها.
* ما الدور الذي لعبته الشاعرة سعاد الصباح في تعزيز الثقافة عند أولادها وأحفادها؟
– أولادي أخذوا مني التعلق بالمُثل العليا، والحرص على التماسك العائلي، وفعل ما يمكنهم لإسعاد الآخرين.. وأسعى اليوم لأن أفعل الشيء نفسه مع أحفادي.
أولادي هم صورتي الثانية.. وكل واحد منهم يعكس قسَمَة من قسَمَاتي، أو ملمحاً من ملامحي.. علمتهم التمسك بأهداب الدين، وحب الوطن، والصدق، وصلة الرحم، واحترام الكبير، والعطف على الفقير، وإنكار الذات، وحب الناس.
* وماذا تعلمت من الأبناء والأحفادك ؟
– تعلمت منهم أن الطفولة هي مدرسة البراءة.
أبنائي وأحفادي.. كل منهم معلّقة شعرية في قلبي.. هم أعمالي الأدبية الأثيرة.. ونبض القلب ونور العين.. كانوا شركائي دوماً في كل عمل أكتبه. من وجوههم الجميلة أخذت أفكاري، ومن ملامحهم صغت كلماتي، وبضحكاتهم كتبت أجمل عباراتي وعبراتي.
* وهل أنت اليوم راضية على ما تحقق من أحلامك على صعيد الأدب والوطن؟
– يفقد العطاء قيمته إذا صاحبته مباهاة، ومن يعط بهدف الخدمة العامة يجب أن لا يتفاخر أو يتباهى بذلك، فعطاء الخدمة العامة ما هو إلا واجب يمليه الانتماء والضمير، وما قدمتُه أنا وغيري أمر متروك للتاريخ، والتاريخ ينصف ويكشف النوايا، وما أنا إلا فرد من جمع.. امرأة مهمومة بمجتمعها وقضاياه.. حاولت أن تزرع ورداً في طريق العمر.. كنت راضية كل الرضا عما قمت به، ولكن لدي طموحات وطاقة وحماس لا تنقطع لخدمة بلدي.
* وما حلمك اليوم وأنت امرأة غير عادية، مناضلة من أجل حرية الكلمة بالصوت الصورة والمعنى؟
– أحلم لأبنائنا بطفولة آمنة، وتعليم حقيقي.. ومنابر تصدح بصوت الشعراء.
* وهل شعرتِ بالندم، ومتى؟
– الندم حالة إيجابية.. إذا كان بدافع إحساس السعي للاكتمال. هو أن تنجز بأعلى مستوى.. وتنافس طموحك وتشعر بأنه يجب عليك أن تكون أفضل مما كنت.. وأن تتفادى بعض الأخطاء.. بعض الأحزان، بعض المجاملات على حساب روحك.
* إلى من تشتاق د.سعاد الصباح في هذه المرحلة الصعبة عربياً؟
– إلى الرجل الجبل زوجي وصديقي.. صديق الزمن الجميل عبدالله مبارك الصباح.. الذي استندت عليه أكثر من 32 عاماً.. ومازلت.
▪︎ المحاسبة
* كيف تحاسبين سعاد الصباح ثقافياً، وهل أنت شريكة فيما وصلت إليه الثقافة العربية؟
– أنا وضعت سطوري، أفكاري.. وبذلت ماء عيوني، وأترك الأمر للتاريخ.
* ما أكثر قصيدة من قصائدك تحاكي اليوم ونحن نعيش فوضى الوجود؟
– كل قصيدة من قصائدي مغروسة في لحم الواقع.. حتى وإن ولدت في غيمة الخيال.. لكن قصيدة (بطاقة من حبيبتي الكويت) هي التي تقفز دائماً خارج الإطار مثل سمكة مشاكسة:
نَحْنُ بَاقُونَ هُنَا..
نَحْنُ بَاقُونَ هُنَا..
هَذِهِ الأَرْضُ مِن المَاءِ إِلَى المَاءِ.. لَنَا
وَمِن القَلبِ إِلَى القَلبِ.. لَنَا
وَمِن الآهِ إِلَى الآهِ.. لَنَا
كُلُّ دَبّوسٍ إِذَا أَدْمَى بِلَادِي
هوَ فِي قَلبِي أَنَا
نَحْنُ بَاقُونَ هُنَا
هَذِهِ الأَرْضُ هِيَ الأُمُّ الَّتِي تُرْضِعُنا
وَهِيَ الخَيْمَةُ، وَالمِعْطَفُ، والمَلْجَأُ
والثَّوْبُ الَّذِي يَسْتُرُنا
وَهِيَ السَّقْفُ الذِي نَأْوِي إِلَيْهِ
وَهِيَ الصَّدْرُ الذِي يُدْفِئُنَا..
وَهِيَ الحَرْفُ الذِي نَكْتُبُهُ..
وَهِيَ الشِّعْرُ الذِي يَكْتُبُنا..
كُلَّمَا هُمْ أَطْلَقُوا سَهْماً عَلَيْهَا..
غَاصَ فِي قَلبِي أَنَا…
* وما الرسالة التي توجهينها إلى كل من: القادة العرب، والمثقف العربي، والمواطن العربي، وأحفادك؟
– إلى القادة العرب: أوصيكم بغزة.
– إلى المثقف العربي: لا تخنْ ضميرك.
– إلى المواطن العربي: صبراً جميلاً.
– إلى أحفادي: أحبكم يا ثمار القلب.
Leave a Reply