عندما يفقد الفن دوره الرسالي في الاختلاف والابتكار ، ويصبح الحال اجترارًا.. ويحل مكان المُبدعين والمسؤولين الحقيقين أسياد موضة التكريم والتفخيم والنفخ والتعويم .. الذين يدّعون أنهم أصحاب أيادٍ بيضاء وملّونة كبيض العيد في عالم الفنّ والطنّ ، ويظهرون كل فترة لتكريم ما يُسمّى فنان أو مبدع..
نتساءل هنا :
هل الأمر احتكار سُجّل بإسمهم في الـ ” طابو ” كـ ماركة مسجّلة من المنتوج الصيني لكن بدرجة باب أوّل ..حتى نشاهد في كلّ مرة الوجوه نفسها تكرّم والأشخاص ذاتهم يُكرّمون؟
وما هي الصفة التي يتمتّعون بها من أجل العمل على تكريم الناس؟
ومن سخرية القدر أن ترى هؤلاء المزيّفون الذين يتنادون في كل عشيّة لتكريم ريّض (على قدّ الحال) أو أكثر في مطعم لم تُعرض صحونه لزبائنه وروّاده و سوّاحه منذ لحظة إفتتاحه، داعين إليه بعض الصحافة المحسوبة عليهم والمحبوبة لديهم من أجل تغطية الحدث الكبير والشهير المليء بالتبخير، إضافة الى بعض المصوّتين الفاشلين الذين نسيَهم التاريخ من أجل الجلوس على طاولات فارغة إلا من بعض المازة المُرطّبة والنذر من الطبيخ، معتقدين أنهم بهذا العمل سيصل حتمًا صدى حفلاتهم الى المرّيخ.
ويعملون بكدّ وجهد من أجل أن يكتمل النصاب … وما أن تكتمل عدّته حتى تبدأ مع ساعات السهرة الأولى مسرحية التزوير أي التكريم ، فينهض القيّم على الحفل حاملًا بيديه ” تروفيه ” بتسوى ” نغله ” لاصقًا عليه اسم المكّرم المبسوط الذي ارتدى ثيابًا جديدة من الـ ” كرافات ” حتى الـ ” بوط “من أجل هذا التكريم الجليل والجميل الذي سيغيّر حتمًا مسار حياته ويفيض من ” مصريّاته ” نتيجة من عرف قيمته بـ” حياته ” وكرّمه نظرًا لعطاءاته ونشاطاته.
وبعد مجاملات من المقّدم ومقدّمات لا تخلو من المغالطات الكلامية والنحويّة التي تهدف الى ” عَمْلَقة ” هذا الفذّ .. فيدعو المكرّم للوقوف الى جانبه ، ويتقدّم صاحبنا ( المخدوع ) مختالًا بمشيته أمام عدسات المصوّرين المتهافتين لإلتقاط هذه اللحظة التاريخية.. وطبعًا يبقى التهافت للتصوير من قِبَل المصوّرين حسب بدل القيمة المدفوعة سلفًا أو مؤخرًا . ويستلم صاحبنا بـ ” عزّة نفس ” الـ ” تروفيه ” والبسمة تعلو محياه كأنه بها يستلم صولجان عرش الملكة اليزابيت.
وكم تمنعه فرحته من الكلام لشّدة تأثره ، فيكتفي بكلمة شكر وسط فيديوهات الـ “موبايلات” وتصفيق الحاضرين الذين يتساءلون ويتهامسون سرًا لعلّ البعض منهم يذكّر البعض الآخر عن أعمال هذا المكرّم الـ سعيد الحظ والذكر “.
مسرحية تدجيل وبدَع يقوم بها هؤلاء المستفيدون و ” حَمْرَنة ” كبيرة يصّدقها هذا الريّض البسيط الذي صدّق أنه في اوّل مسيرته الفنيّة قد نال هذه الشرف الرفيع .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: مَن هو ذا الذي يحق له أن يكرّم الناس ويعطيهم الجوائز؟
وبأي صفة قانونية متمسك بها من أجل أن يُقدم على ما أقدم عليه؟
وتحت أي صفة رسميّة يمنح هذه الألقاب ؟
ومَن أوعز اليه ليقوم بمهام الوزارة المعنيّة التي من شأنها فقط أن تمنح الصفات والجوائز والألقاب؟
مَن هو المسؤول عن هذه البِدَع التي لا تركب بمُخ أي إنسان سليم؟؟؟؟
…الله أعلم
Leave a Reply