رحم الله زمن العباقرة الفنانين الذي ولّى ، بين قوسين ، مع أفول النجوم المجيدين كصباح ووديع وفيروز وغيرهم من الذين أعطوا شرقنا العربي جمالّيات طربّية ، ما زلنا نردّدها حتى الساعة مع كل اشراقة شمس وطلّة قمر….
خارقون… أشرقوا في زمن الابداعيّة الصعبة ، فحلّقوا مع جهابذة نادرين أمثال عاصي و منصور وغيرهم من رعيل الصّف الأوّل الذين شاؤوا ونجحوا في رفع اسم لبنان عاليًا بمختلف المحافل العالميّة.. فكانوا مثال النخبة النهضويّة التي تركت بصماتها البيضاء فخرًا على صفحات التاريخ الخالدة.
ولست بوارد الحديث اليوم عن مبدعين عرب أشقّاء، وهم كثر..إنما آليت التكلّم حصرًا عن لبنان لأنني أعتبره ركن الحضارة وملاذ الفكر والابداع.
أما في هذا الزمن الماحل .. الذي تكاثرت فيه أصوات النشاز من كل حدب وصوب… ترانا نشهد مع كل ” تفقيسة” ساعة ولادة متفنّنن ( تصغير كلمة فنان) ، يعتبر نفسه الوريث الوحيد لهذه الكوكبة اللامعة ، أو مشروع ملّحم ( عفوا ملحّن ) يختصر بألحانه المستوردة تاريخ العراقة الاصيلة ، أو ” فتفوت ” راصف كلمات يسمّي حاله شاعرًا ، معتقدًا نفسه أن البلاغة ونهجها من صنع يديه… فلا المتفنّن فالح بصوته المغلّف بتقنيات الاستوديو … ولا الملحن ملفت بألحانه لأنها سرعان ما ينكشف مصدرها الأساسي..ولا الشويعر مبدع في رصفاته لأن من المستحيل أن يجنى من العلّيق عنبًا..
وتراهم … مصدّقين أنفسهم على أنهم الهالة الشعاعية التي لا يستطع دخول دائرتها الضوئية الاّ من كان على قدر من الفرادة.. فيملأون الاذاعات والشاشات بسخافاتهم ويشغلون المجلات والمواقع بأخبارهم التي لا تفيد حتى من يتتّبع اخبارهم.
ألهذا الدرك ، وصل مستوى فنّنا الراقي؟
ألهذه الحال ، أمسى ذوقنا سيّئا لا يستغيث ما هو جميل أو عاطل؟
أبمثل هؤلاء نفاخر اليوم؟
أبهؤلاء نسمح لآذاننا ان تسكنها النشازات..ونصّدق نفسنا أننا في عصر الأغنية الدارجة والرائجة؟
بربكّم يا ناس…فليدلّني واحد على أغنية تعيش لأكثر من شهر..هذا مع الحملات الدعائية والاعلانات والفلوس التي تدفع.. وليكلمّني شخص عن أغنية أبهرته وجعلته يعيش في هيلولة الفرح الخالص؟
ألم تلاحظوا معي..أن جميع الأغنيات تتكلّم عن مواضيع واحدة..كلّها فراق وعذاب وقهر وتحّديات..لكن المفارقة أن كافة ألحانها راقصة…كأن كلام الطقطوقة بميل ولحنها بميل آخر
Leave a Reply