أكثر ما يُعكّر مزاجي بعض الحالات التي تحدث أمامي في بعض السهرات أو حينما أشاهد بعضًا منها يُنشر على السوشيال ميديا من خلال الفيديوهات، لأنني أشعر حين مشاهدتها بتكاذب يفرضه الواقع المُحكم بين طرفين، أحدهما يُجيد لعبة التباهي والآخر يُجيد لعبة اللياقة وعدم كسر الخاطر، وكلاهما مُجيد و ” قوّي ” في مجاله.
والمشهديّة ( موضوع المقال ) تكمُن ،حين تشاهد مُغنيًا طرّي العود ” يزعق بنشازه الصارخ ” على مسرح أحد المطاعم بصوتٍ ينقصه الكثير من التهذيب والدراسة والعلم الموسيقي ، ( وأغلبهم يغنّون اللهجة السويحلية التي لا يُجيدونها أصلًا ).
وفجأة..
يلمح في صدارة الصالة وبين الساهرين ، مطربًا كبيرًا ، أصيلًا في الأداء والصوت والطرب، ساقه حظّه العاثر الى تلك السهرة .
فيفرح ( المُغنّي بهذه التوفيقة ) ويتقدّم ناحيته رويدًا رويدًا (وهو في وصلته ) مغتنمًا الفرصة لمصافحته، فيقف أمام طاولته وبين ضيوفه ، يحييه ويُقبّل جبينه إعتزازًا بشخصه ، ولا يحيد من مكانه حتى ” يطوش رأسه ” بـ غنائه الرديء وفنّه العقيم وموهبته الفاشلة ، موّزعًا أجمل الإبتسامات لشخصه، وفي نيّته ( أي نيّة المُغني ) التقرّب منه وإلتقاط الصورة معه، ليتباهى بها أمام أصحابه الميامين.
فيتمسمَر أمامه وهو يدلق من حِمم زعيقه ما يخدش السَمَع و ” يُلّعي ” النفس. فيضطّر ، عندها ، المطرب المعروف الى التصفيق له عَرَضًا – على أساس أنه “مُعجب بصوته” – مرددًا خلال اللحظات القليلة التي يتمّ تصويرها بـ كاميرا الموبايل كلمة ” حلو .. ااااه .. برافو ” من باب الحياء والذوق والمُجاملة .
و كي لا يحرجه ( ويَبْخَعه ) ، ينصاع مضطرًا الى إلتقاط الـ سيلفي معه من أجل ألّا يكسر بخاطره (والله لا يكسر بخاطر حدا).
وقبل أن تنتهي السهرة ، يكون هذا المُغنّي المغمور قد نشر لقطة الفيديو على صفحته في الـ فيس بوك ، وأضافها الى أرشيفه المليء بهذه اللقطات ” اللقطة ” ، متباهيًا بين زملائه، ويقول لهم ، أن الصداقة التي تجمعه بالمطرب وثيقة الى أبعد الحدود ( وهو يكون قد صادف شخصه للمرّة الأولى بحياته ) ، وقد أثمرت صداقتهما القويّة الى الإتيان به اليوم لحضور سهرته، وإن صوته وفنّه الأصيل جعلاه يصفّق له ويتأوّه إعجابًا لمقدرته.
في المُقابل ، يكون المطرب ، عاش حال من الإشمئزاز من ” نشاز ” هذا المُغنّي المبتدئ، وصلّى مئة مرّة كي ينتهي هذا الـ “قْطوع ” على خير ، حامدًا ربّه على إعطائه نعمة الصبر وقوّة ضبط النفس على ما سمعه من قرف وزعيق.
وعليه ..
تبقى حفلة التكاذب قائمة بمشهديّات أخرى شبيهة بهذا المشهد الواقعي الذي ربما نصادفه في أغلب حياتنا.
Leave a Reply