يعيش الناس عادةً على فكرةٍ فنيّة – غنائية يعتادون عليها من دون التفكير بإيجابيتها وسلّبيتها، فربما قد تهبط عليهم من ” عبقرية” أحد الأفذاذ أو من أحد مُطلقي الدعايات أو ممَن كان بفنّه ضليعًا ويعتبرونه صاحب فكر فنّي رائع وحاذق.
فيعيشون الفكرة من دون العودة الى التحليل والتركيز، و يتماشون معها، ويُصّفقون لها ،مُدافعين عنها ، مُعجبين بكلّ ما يظهر منها ، رافعينها الى أعلى قِمم الجمالية والإبداعية ، راقصين على نغمتها بكلّ حفلاتهم .
ولكن ..
لو حرّكوا ” نَتْعَات ” دماغهم بصفاء لربما إستطاعوا أن يحدّوا الحَدّ فيها ما بين السيئ والجيّد. غير أن الـ ” جَرْفَة ” التي ينجرفون بها تمنع عنهم كافة التقديرات التي من شأنها أن تجعل رأيهم حصيفًا ومنصفًا.
والعجيب العجب ، أن البعض من الأغلبية المأخوذة بهذه التفاعلات ، تركّز على ما أوحيَ لها ، بإعتبار أن هذا العمل الإبداعي ” فَلْتَة شوط “مميّز، لا يمكن تكرار إبداعيته . وصاحب هذا العمل ، مهما تفوّه وغنّى وتحرّك ، تكون حركته نتيجة إبداعه المُفرط ، لأن الدعاية تكون قد سيّطرت على مخّهم وسوّقت لإهدافها بشكل كاسح، ونجحت في أن تزرع بـ نفوسهم فكرة ( أن كلّ ما ينطبق على هذا المُبدع لا يجوز تطبيقه على فنّان غيره).
فمثلًا ..
يرقص البعض على أغنية إيقاعيّة من دون التمّعن بمعاني موضوع كلماتها الذي يكون بأغلب الأحيان يتحدّث عن الوجع والفراق والألم ، وعلى الرغم من ركاكتها و” صَفْصَفَة ” نظمها ، فَتَراهم يَنْتَشون من لحنها ويلهبون الجوّ رقصًا وفرحًا وحماسةً، إضافة الى مواضيع الـ ” تحشيش ” و الـ ” تقطيش ” والـ “وَرَق بعريش” الذين أضحوا اليوم صرعة الموسم ،وفيما لو تعرّضتَ لها لنقدٍ.. فتجد البعض منهم يفتح ” عليكَ النار ” مُدافعًا عن الأغنية ..، لأنه يعشق مَن يغنّيها ( على عماها ) ولو كانت هذه الأغنية ” مزّق ولزّق”، ولأنه يعتبر مَن غنّاها نجمًا فنيًا وإن كان من رتبة ( نجم أبو ذنب).
وأحيانًا.. تُفرض عليهم بعض النكهات التي لا لون وطعم لها سوى أنها صادرة من أحد المُبدعين ولو ” بشي مش راكب ” فيتلهّفون للإستماع إليها ويردّدونها ويدخلونها في قائمة ذوقهم الفنّي العالي.. ويستميتون لجعلها بين مصاف الإبداع والـ ” فوق العاده “.
ويكفيهم أن مَن إبتدعها ، أن يكون فنّان مرموق ، له تاريخه ومسيرته لتكون جميع ” فذلكاته ” مغفورة، فيطيح بكلّ المحذورات متصدرًا الصفوف الأمامية ، محتلًا أثير الإذاعات والمنصات الرقميّة ، على غرار ما رأينا وسمعنا وفرحنا بالنجم المُبدع الراحل ملحم بركات الذي نقدّر فنّه ونجوميّته ، ونعتزّ به كركيزة مهمّة بالفنّ اللبناني ، حينما غنّى وزاد وأجاد في أغنيته ” على بابي واقف قمرين” وأضاف إليها من خلال سَلْطَنته بحفلةٍ ، مقطع” أو واواووو .. واواووا.. أووه وا “وسلطن عليه وبه لأكثر من خمسة دقائق متواصلة وشغل الناس بهذه الوصلة البيتهوفونية التي رقّصت الجميع و” هيّص ” لها الكثيرون..
Leave a Reply