النقد مادة تهدف بأبعادها الى تقويم الوضع المتناوَل من أجل تصحيحه بطريقة لا تؤذي المُسبّب بل ترشده بالعلم والمعرفة والخُبرة ، وأن تدمل الهفوة المُسَبّبة للـ لَغَط القائم وتضعها على المسار المتكامل مع الفكرة المطروحة أو مع العمل الواجب إظهاره بطريقة جيّدة ، ليُصبح الوضع صحيحًا ، خاليًا بالقدر المُمكن من أيّة شائبة.
ويُبنى النقد الصحيح على الثقافة والدراسة والخبرة ،ولا يجب أن تُستخدَم فيه الكلمات غير المفهومة والمبتذلة كتعبير عن رأي ، ولا يفترض أن يتوجه النقد إلى شخص ما لأسباب شخصية، بل يجب مراعاة أن يكون العمل أمانة، وحين يقع الخطأ بحق أحد من المفترض أن يتّم الإعتذار منه ومن الناس الذين استمعوا الى هذا الرأي . فالناقد لا يولد ناقدًا بل من خلال تأثره وتأثيره بمَن يخالطهم يصقل نقده البناء.
أما هؤلاء الطيّبون الذين ينتقدون على هواهم لإظهار مواهبهم الكيّدية ، فأغلبهم يستخدمون لغة التجريح والتهجّم على الناس من أجل إضحاك المُتابعين. فيُعتبرون نفسهم ” ناقدين ” وهم بالحقيقة ساخرين ، مُفترين ، يتحدّثون عن عيوب ومواقف بسخط ” كاريكاتوري ” جارح، فما همّهم من أحاديثهم سوى السخرية من المنتقد وفضحه بإبراز عيوبه واحراجه أمام الناس.
وكثيرًا ما تتعرّص فئة معيّنة لهذه السفافة واكثرها من أصحاب الشهرة كالفنانين وأصحاب المناصب والمبتدئين بكلّ فنّ جديد .
فهذا الأسلوب الساخر قد يستعمله بعض النقّاد الحقيقيين ، لكن ضمن أصول وعدم المَساس بكرامات الناس، وذلك من أجل إيصال فكرة جميلة تحمل مساحات من الإبحاء غير المباشر بقصد الدلالة على الصواب وإثبات الحقيقة، على عكس مَن يستعمل الأسلوب الساخر و الرخيص ،الذي ينّم عن حالة يشعر صاحبها بنقص في شخصيته , ويريد من خلال سخريته أن يلفت الانتباه ناحيته.
فهو لا يملك فكرًا يستطيع إيصاله الى العامة بل يعمد على هذا النمط من التجريح والشتم , كما أن صاحب هذا الأسلوب هو شخص فاقد لحس المنطق وهو فارغ من الداخل، لا يهدف من خلال ما يقول أو يكتب إلا إلى الإساءة للغير، وهو في النهاية إنسان جبان لأنه يفضل عدم إبراز شخصيته الا بهذا الاسلوب الوقح، كما أنه لا يعترف بتهّوره بل ينكر ما اقترفه بحق الناس ويرفض الاعتذار ويرفض الاعتراف بالخطأ.
فالكلام الساخر والفارغ لا يُعتبر نقدًا بل مسخرةً و ” تَمْريقات بائخة “وشتّان بين النقد والسخرية.
Leave a Reply