ما زالت مفردة “النقد” في أيامنا هذه مرتبطة بالهجاء والتنمُر ، إذ يخضع تفسيرها إلى علوم اللغة، وليس إلى مجال تطبيقي معرفي يشرّح العمل الفني ويُفنّده ويعيد إنتاجه بصورة تفسيرية وتوضيحية.
والنقد – عادةً – مادة غنيّة ، يجب على مَن يقدّمها أن يتمتّع بالموضوعية لأنه يجب عليه أن يكون فنانًا في رهافة حسّه وحسن تذوقه وعالمًا في موضوعيته وصدقه وتجرده، ويجب أن تكون معلوماته مستقاة من حقول معرفية أو علمية مفارقة يحاول بها أن يُقارب ما يمتلكه من معرفة في خدمة إنتقاده للعمل الدرامي.
وفي كلّ عام ،يظهرُ المئات ممَن يطلقون على نفسهم “نقاد الأعمال الدرامية التلفزيونية” في شهر رمضان الفضيل وتترافق تحليلاتهم مع المسلسلات التي تُعرض على الشاشات ، ويكون محتوى نقدهم في أغلبه لا يرتكز ولا يتبع أي آلية معرفية تمّكن الناس من معرفة حقيقة النقد الصحيح بل همّهم التركيز على حركات الممثلين وجمال الممثلات ورصد الملابس والمكياجات أو على متابعة الأمور الشخصية ومظاهرها ، فهذا الأمر لا يعتبر نقداً، ولا أصحابه نقادًا بل هو استغفال للمتلقي، وإبعاده عن الفكرة الحقيقية للعمل الفني.
وما زال البعض ممَن يَدّعون النقد الدرامي يجنحون بكتاباتهم نحو كتابة وصفيّة إستعراضيّة لا تمّت للنقد والتحليل بصلة إنما تتكوّن عن تعبير وجهة نظر عندهم تكون في غالبها بعيدة عن الأسس العلميّة المثتبعة.
وهنا لا بد لنا من التمييز بين النقد الهادف الذي يرتقي الى نظرة شاملة مُعمّقة للعمل الدرامي ككلّ وبين مَن ينظر إليه مجرّد مراعاة للعواطف والميول الشخصية، ويكون سرده وتقييمه لأفراد مُحدّدة على حساب التوليفة الباقية.
فالنقد علمٌ له أسسه وثوابته ، وهناك قلّة تتجرأ على الغوص به، لأنه مسؤولية علمية وعملية لا يستطع أيّ كاتب أو صحفي أن يخوض غماره .. كما انه ليس كلّ من أبدى وجهة نظره إعتبر نفسه ناقدًا.
Leave a Reply