تتبرّج عادة السهرات الطربية في وقت مضى ،بأصوات تهدّ ” الحَيْل ” و “تُحَرقِص” نجم سهيل ، مطلقة للعُرَب الصوتية عنان الخَيل والأيل .. فتتدفق النغمات كالسيل ،مختصرة بساعاتها الفَرِحَة فرحة جيل.. فتنعش الساهر من كل ميل متأوهًا على “فتحات البَخاخ” يا ليل. والويل ثم الويل لمَن لا يشرب – بدل القدح – بالكيل ،حتى يعود لا يعرف الرأس من الذيل .. ويحدث هذا بأدب أخلاقي ولذة متناهية. إذ تكون أغلبية الـ “سَمّيعة” حاضرة للسمع وللنشوة الروحية ( ولو مرقنا بينهم “شوّية فَنْغَرا”).
غير أن سهرات هذا الوقت .. “تتشَقلبُ” قاعدتها اللامتلاقية مع الأصول .. حتى على نفسها. فتشاهد فيها الخلاعة (ضاربة طْنابا) والمياعة (هادي أعصابا)..فلا تستطيع بمتاهتها أن تحدد نوعية الساهرين والساهرات أو أن تصنّف مستوى تصرفاتهم و”فَقَعاتهم”.
الجميع مطروش بلون واحد ( اي بـ غالون سعره 5 دولار) … والكل يركب سيارات لا يوجد مثيلاتها في بلد المنشأ ( رغم الضائقة الإقتصادية التي نتخبط بها ) فترى الشباب “مُنَعْنَعين” كالصيصان المسلوقين ، يرتدون ثياب “مُزَمّكين” على قمصان ممزقين تاركين لحاهم على مداها.. كذلك الفتيات يرتدين ثياب كأنها لا ثياب ” تحت الخصر بـ 2 سنتم” تَُتغْتغن الانكليزية ليدللن على أنهن مثقفات، فيجلسن مع أصحابهن على طاولات ويطلبن ما يستطعن أن يفهمنه من اللائحة المنطوية بيد الـ “غارسون ” ويزدن فوق طلباتهن “النرجيلة “..
نعم النرجيلة صرعة هذا العصر التي أصبحت عادة سيّئة ضمن المازات اللبنانية الفاخرة.. والقائمة على تعبيق الأماكن بضباب التلوّث والقحة وروائح السجائر. فيشربنها “بشرخة” واحدة و “يُكَرْكرن” بما تبقى منها طيلة الوقت. سابقات نغمات الأوركسترا الـ “مُشردَقة ” داخل مكبرات الصوت.
وحين تبدأ السهرة بمصوّتين “بيسووا بَصْلِة ” يغنوّن من كل مطرح “شَقْفة” وسط هيصة ودبكة في غير مكانها.
تبدأ الـ ” قَرْوَشة” بين الحضور ويكثر الحكي والتنظير .. فلم تعد تفهم – ماذا يدور من حولك- من هَبَل وتعتير.
فلا الصوت يصل اليك كما يجب، ولا الموسيقى “تُنَغْنِش” آذانك .. ويضيع الليل كما الدولارات التي دفعتها دون طعمة او لذة.
وعليك صديقي وحدك أن تفرّق بين سهرات الأمس الطربية وسهرات اليوم الهيستيرية .
وأنت الأخبر.
Leave a Reply